وتأبى عدالة السماء أن تفرغ أرض مهبط الأنبياء وثالث الحرمين من رجالها، ففي الوقت الذي استشهد فيه ما يقرب من 25 ألف شهيدا في غزة منذ انطلاق الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، فهناك بإرادة الله 20 ألف طفل غزاوي ولدوا فوق أرض المعركة الملتهبة خلال نفس الفترة ما يعني أن غزة أرض ولادة لن ينقطع لها نسل وسوف تستمر في تفريخ الشهداء إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الإحصائيات والأرقام الدقيقة والموثقة كشفت أن هناك 180 طفلا يولدون يوميا في القطاع بواقع طفل كل 10 دقائق، ما يعني ميلاد 20 ألف طفل غزاوي خلال فترة الحرب وفقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة.
ستبقى قصص مخاض الغزيات الحوامل تحت الأنقاض وعلى أضواء طلقات القذائف والأسلحة المحرمة دوليا، وتحت مطاردة جنود الاحتلال من أبشع القصص الإنسانية التي ستقيم لها محاكم التاريخ المشانق، ولن ترحم مرتكبيها بالتقادم، فذاكرة التاريخ لا تنسى.
من جانبها صنفت باسكال كويسار، منسقة الطوارئ بمنظمة أطباء بلا حدود في القطاع الفلسطيني وضع النساء الحوامل في غزة بالكارثي، في ظل الظروف المعيشية الصعبة والتعامل مع الضغوط المستمرة الناتجة عن التفجيرات والتهجير والمفاجآت المأساوية الغير سارة المتلاحقة.
ومن ناحية أخرى فإن ظروف الولادة التي تتعرض لها الغزيات حاليا مرعبة، حيث أن معظم المستشفيات تم تدميرها وأصبحت خارج العمل، والأعداد القليلة المتبقية تعمل بجزء من كفاءتها ومقلقة للغاية، ومتكدسة بأعداد فوق طاقتها، لذا فإن العديد من النساء يلدن في أماكن أخرى غير مجهزة مثل الخيام، بل وصل الأمر أن بعضهن يلدن في المراحيض المنتشرة في مواقع النازحين برفح.
تلك الظروف الكارثية التي تتعرض لها السيدات يكون نتيجتها أحيانا تعرض الأم الحامل لمضاعفات أثناء الولادة قد تودي بحياتها، كما تعرض حياة الرضع للموت، خاصة في ظل انعدام الخدمات الصحية والإشراف الطبي والحضانات.
الوضع الصحي في غزة بائس حيث تعمل 13 مستشفى فقط في القطاع بشكل جزئي وفقا لـ منظمة الصحة العالمية من أصل 36 مستشفى، لذا فإن الغزيين على وجه العموم يواجهون وضع صحي سيء للغاية يكاد يكون منعدم في ظل حرب الإبادة المتواصلة التي يشنها الاحتلال على القطاع منذ 107 أيام، ويزداد الوضع الطبي سوء فيما يتعلق برعاية النساء الحوامل والأطفال الرضع.
وفي ظل حرب الحصار والتجويع التي ينتهجها الاحتلال ضد الغزيين منذ فترة، فإن النساء الحوامل بالتحديد اللاتي يحتجن إلى نظام غذائي مكثف يتعرضن للثالوث القاتل «الجوع، المرض، الفقر»، بخلاف ما يتعرضن له من أثار سلبية ناجمة عن الحرب، الأمر الذي يخالف كافة المواثيق والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، ويتضمن جرائم حرب موثقة يجب معاقبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية بصورة عاجلة.
باختصار.. نساء غزة وأطفالها ليسوا بمعزل عن الشعب الفلسطيني البطل صاحب الحكايات الأسطورية في المقاومة والدفاع عن النفس والأرض والعرض، والذي يتحمل ما لم يتحمله شعب آخر على مر التاريخ ويتعرض لهولوكوست إنساني غير مسبوق، متزرعا بالإيمان بالله ومتمسكا بتراب وطنه وإرث أجداده في مواجهة نازيون العصر الحديث.
تبقى كلمة.. هؤلاء الأطفال «شهداء الغد» الذين استقبلتهم الحياة بطلقات المدافع وأهوال يوم القيامة، سوف يشتد عودهم على حب الوطن وسوف يرضعون من أمهاتهم الصمود والتصدي والمعنى الحقيق للوطن والتمسك به.. وإذا كنا نفتخر جميعا اليوم ببطولات أطفال الحجارة الذين أصبحوا الآن أبطال للمقاومة، فإن أطفال الأنقاض وشلالات الدم وطوفان الأقصى سيكونون الأكثر بلاء وقوة على عدو الله وعدوهم وربما حقق الله على أيديهم الوعد.