
تشهد الساحة الاقتصادية في مصر حالة من الترقب، بعد إعلان الحكومة مؤخرا عن زيادة أسعار المحروقات “البنزين والسولار”، وهي خطوة لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على مختلف القطاعات، ومنها قطاع الكهرباء.
وبالرغم من أن مجلس الوزراء ووزارة الكهرباء، قد أعلنا تأجيل تطبيق أي زيادات جديدة في أسعار الكهرباء حتى بداية العام القادم، مراعاة للظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطنون، وضمن توجهات الدولة لتخفيف الأعباء على محدودي ومتوسطي الدخل، جاءت زيادة أسعار المحروقات لتغير المشهد من جديد.
فكان قد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال سبتمبر الماضي، إنه لا توجد أي نية حالية لزيادة أسعار الكهرباء خلال هذه الفترة، مؤكدا أن مراجعة الأسعار تتم وفق دراسة دقيقة لضمان حماية مصالح المواطنين واستقرار السوق، مؤضحا أن أي قرار بشأن رفع أسعار الكهرباء يدرس بمنظور شامل يأخذ في الاعتبار تأثيره على معدلات التضخم والأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
لكن هذا التأجيل لا يلغي المخاوف المتزايدة من أن تؤدي الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود إلى ضغوط إضافية على قطاع الكهرباء، الذي يعتمد جزئيا على مصادر طاقة تقليدية مثل الغاز والمازوت في تشغيل بعض المحطات.
وهو ما يفتح باب التساؤل حول ما إذا كانت الوزارة ستظل متمسكة بقرارها بعدم الرفع حتى بداية العام، أم أن المتغيرات الاقتصادية الجديدة قد تدفعها إلى مراجعة قراراتها.
مع العلم أن أخر زيادة لشرائح الكهرباء كانت في أغسطس 2024، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة تصل إلى 50% لبعض الشرائح، خاصة في استهلاك أكثر من 650 أو 1,000 ك.و.س، وأصدر وقتها جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك أسعار شرائح الكهرباء الجديدة التي تطبق حتى الان، ولكن بعد هذه الزيادة بلغ نصيب الفرد المصري الواحد في الدعم المقدم للطاقة نحو 157 جنيه، وذلك بعدما أكد وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المهندس محمود عصمت أن دعم الكهرباء يقارب 170 مليار جنيه، على عدد المواطنين المصريين والذي يقدر نحو 108 مليون نسمة.
وفي هذا السياق وللرد على التساؤل قال الدكتور حافظ سلماوي الرئيس الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، إن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، التي تم تشكيلها بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 2019، لا تملك صلاحية تعديل أسعار الوقود المخصص لمحطات الكهرباء، سواء كان غاز طبيعي أو مازوت.
وأوضح سلماوي في تصريحات خاصة لـ “البورصجية”، أن أسعار الغاز الطبيعي والمازوت الموردة لمحطات إنتاج الكهرباء لم تشهد أي زيادات خلال الفترة الماضية، على الرغم من القرارات الأخيرة برفع أسعار الوقود الموجه للقطاعات الأخرى.
وأشار الرئيس الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، فأنه بالرغم من عدم زيادة الأسعار إلى أن هناك تحدي حقيقي يتمثل في ارتفاع أسعار إنتاج الكهرباء بشكل عام، نتيجة ارتفاع تكلفة الدعم، وذلك لأن مصر تستورد قرابة ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي، والذي يعد المصدر الأساسي لتوليد الكهرباء محليا.
وأضاف سلماوي أن تكلفة الوقود تمثل ما بين 40% إلى 50% من إجمالي تكلفة إنتاج الكهرباء للاستهلاك المنزلي، مما يضع ضغط كبير على موازنة الدولة، ويزيد من حجم الدعم الذي تتحمله الحكومة.
وشدد سلماوي في الوقت نفسه على أن اتخاذ قرار بزيادة أسعار الكهرباء لا يعتمد فقط على العوامل الاقتصادية، بل يرتبط أيضا بقرارات سياسية تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاجتماعية ومدى قدرة المواطنين على تحمل الأعباء.
وأكد سلماوي على أن الدولة ما زالت توازن بين الحفاظ على استقرار الأسعار وتخفيف العبء عن الموازنة العامة، مضيفا أن أي تحرك في أسعار الكهرباء مستقبلا سيخضع لتقييم شامل على كافة المستويات.
أما الدكتور محمد السبكي الرئيس السابق لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، فأكد أن أسعار الكهرباء لن تشهد أي زيادات في المستقبل القريب، رغم قرارات الحكومة الأخيرة برفع أسعار بعض أنواع المحروقات.
وأوضح السبكي في تصريح خاص لـ” البورصجية “، أن تأثر أسعار الكهرباء لا يرتبط بأسعار البنزين أو السولار، بل يتوقف بشكل رئيسي على أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل محطات توليد الكهرباء، وهو ما لم يشهد أي تغيير حتى الان.
وأشار السبكي إلى أن الحكومة ملتزمة حتى الان بقرارها المعلن بشأن تأجيل أي زيادات في أسعار الكهرباء حتى بداية العام المالي الجديد، موضحا أن الاستقرار في سعر الغاز الطبيعي يعد عاملا حاسما في الحفاظ على تسعيرة الكهرباء الحالية، نظرا لاعتماد معظم محطات التوليد على هذا المصدر في تغطية احتياجات الشبكة القومية.
وأضاف السبكي أن من المتوقع استمرار هذا التوجه حتى منتصف عام 2026، طالما لم تطرأ تغييرات جوهرية على أسعار الغاز أو تكلفة استيراده، كما أن سياسة تسعير الكهرباء تخضع لمعادلات دقيقة تأخذ في الاعتبار الأعباء الاقتصادية على الدولة والمواطن.





