
منذ عام 2015 وحتى عام 2025، خاض الاقتصاد المصري رحلة استثنائية في إعادة بناء وتعزيز احتياطي النقد الأجنبي، هذا الاحتياطي، الذي يُعد أحد أهم مؤشرات الاستقرار الاقتصادي، ارتفع من مستويات حرجة بلغت 16.4 مليار دولار في نهاية 2015 إلى ما يقارب 45 مليار دولار في منتصف 2025، وفق تقديرات البنك المركزي المصري.
ومرت هذه الرحلة بمحطات صعبة أبرزها تحرير سعر الصرف، وجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، في مقابل سنوات من التحسن النسبي، وطفرة في تدفقات الاستثمار الأجنبي، والسياحة، وتحويلات العاملين بالخارج.
ويتكون الاحتياطى الأجنبي لمصر من سلة من العملات الدولية الرئيسية، تشمل الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة اليورو، والجنيه الإسترلينى والين الياباني واليوان الصيني، وهى نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وتتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسؤولي البنك المركزى المصرى.
ولا يمكن إنكار الدور الكبير للبنك المركزي المصري في إدارة ملف الاحتياطي النقدي بكفاءة عالية خلال عقد مضطرب.
وتعكس رحلة الاحتياطي النقدي المصري بين عامي 2015 و2025، قصة اقتصاد يحاول النهوض وسط عواصف عالمية ومحلية من قاع الـ16 مليار دولار إلى سقف الـ 47 مليارًا، حيث استطاعت الدولة تحقيق إنجاز ملحوظ، لكنه لا يزال بحاجة إلى تعزيز الاستدامة، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.
احتياطي تحت الخطر في عام 2015
كان الاقتصاد المصري يعاني من عجز مزمن في ميزان المدفوعات، وضعف تدفقات النقد الأجنبي، حيث بلغ الاحتياطي النقدي 16.4 مليار دولار فقط. هذا المستوى اقترب من الحد الأدنى المطلوب لتغطية واردات 3 أشهر فقط.
أحد المحللين الماليين صرّح لجريدة “البورصجية” قائلاً: “في تلك الفترة، كان الاحتياطي النقدي لا يلبّي الحد الأدنى من الأمان النقدي، وكان الاقتصاد المصري بحاجة إلى تدخلات هيكلية عاجلة”.
التعويم وبرنامج الإصلاح.. بداية التحول
في نوفمبر 2016، اتخذ البنك المركزي المصري خطوة جريئة بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه، وهو ما عرف بـ”قرار التعويم”. بالتوازي، حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
حيث كانت النتائج سريعة فارتفعت تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 18% خلال عام 2017 لتسجل 26.4 مليار دولار، وزاد الاحتياطي النقدي إلى 36.7 مليار دولار بنهاية 2017، كما ارتفعت تدفقات الاستثمارات غير المباشرة، لا سيما في أدوات الدين الحكومي.
يقول إسلم عصام الخبير الاقتصادي: “قرار التعويم، رغم تكلفته الاجتماعية، كان ضروريًا لاستعادة ثقة المستثمرين، وتحرير أدوات السياسة النقدية”.
وواصل الاحتياطي النقدي ارتفاعه ليبلغ ذروته التاريخية في ديسمبر 2019 عند 44.5 مليار دولار. هذه الزيادة جاءت مدفوعة بتحسن السياحة، التي حققت 12.6 مليار دولار في 2019، وتراجع فاتورة الواردات جزئيًا نتيجة لانخفاض الطلب المحلي.
كما ساهمت سياسات البنك المركزي في جذب استثمارات أجنبية في أدوات الدين، وتوسيع قاعدة المستثمرين الدوليين.
صدمة الجائحة.. عام النزيف 2020
في مارس 2020، دخلت مصر – مثل باقي العالم – في أزمة غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا. وكنتيجة مباشرة، تراجعت إيرادات السياحة بأكثر من 60%، وخرجت استثمارات أجنبية من أدوات الدين بنحو 12 مليار دولار. وانخفض الاحتياطي النقدي إلى 36 مليار دولار في يونيو 2020.
ولجأت الحكومة إلى اتفاقات تمويل سريع مع صندوق النقد الدولي، ما ساعد في الحفاظ على استقرار نسبي. إلا إنه في 2021، بدأت السياحة في الانتعاش، وعادت الاستثمارات تدريجيًا، وارتفعت التحويلات إلى 31 مليار دولار، لكن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 أعاد الضغوط حيث ارتفعت أسعار القمح والطاقة، هربت استثمارات أجنبية من الأسواق الناشئة، وانخفض الاحتياطي إلى 33.1 مليار دولار بنهاية 2022.
برنامج الطروحات وضخ جديد للنقد الأجنبي
أطلقت الحكومة المصرية برنامج طروحات حكومية يتضمن بيع حصص في 35 شركة، نجحت خلاله في جذب أكثر من 2 مليار دولار في 2023 فقط. كما حصلت مصر على دعم مباشر من السعودية والإمارات، بالإضافة إلى توقيع اتفاق معدل مع صندوق النقد بقيمة 3 مليارات دولار وهو ما ساهم في ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 41.1 مليار دولار في نهاية 2023.
2024 العام الحاسم
بلغ الاحتياطي النقدي 41.1 مليار دولار. ووفق بيانات البنك المركزي، فزادت التحويلات بنسبة 6% عن العام السابق، ورتفعت عوائد قناة السويس رغم التوترات الجيوسياسية، كما ارتفعت قيمة الصادرات السلعية بنسبة 11%.
توقعات 2025.. إلى أين يتجه الاحتياطي؟
تشير التقديرات إلى إمكانية بلوغ الاحتياطي 45 – 46 مليار دولار بنهاية 2025، مدفوعًا بنمو مستدام في قطاعات مثل الغاز الطبيعي والصناعات التحويلية، استقرار سعر الصرف ضمن آلية العرض والطلب، وتدفق استثمارات مباشرة جديدة في البنية التحتية والتكنولوجيا.
لكن الخبراء يحذرون بإن الحفاظ على هذا المستوى يتطلب إصلاحات هيكلية حقيقية، وليس فقط الاعتماد على التمويل الخارجي أو الاستثمارات غير المستدامة.
وكشف المركزي مؤخرا عن ارتفاع صافي الإحتياطيات الدولية إلى 48.144 مليار دولار بنهاية أبريل 2025، مقابل 47.757 مليار دولار بنهاية مارس 2025 بزيادة 386 مليون دولار.