
يرى المهندس حسن الفندي، رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية، أن السكر لم يعد مجرد سلعة أساسية على مائدة المصريين، بل تحول إلى قصة نجاح وطنية تقترب من تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي، وتضع أولى ملامح دخول مصر إلى خريطة التصدير.
وفي حوار خاص مع جريدة البورصجية، استعاد “الفندي” مشهد الأشهر الماضية حين كانت أسعار السكر حديث الشارع ومصدرًا للقلق والترقب، قبل أن تتغير الصورة تمامًا. فاليوم، وفي قلب واحد من أكثر الملفات الاستراتيجية حساسية للأمن الغذائي، تدور انتفاضة زراعية، أبطالها مزارعون بعرق سواعدهم السمراء، ومصانع تعمل كخلايا نحل، مدعومة بسياسات حكومية جريئة.
“مايسترو” صناعة السكر في مصر يرفع الستار عن كواليس هذه الطفرة غير المسبوقة، كاشفًا بالأرقام والتفاصيل كيف أعادت الدولة رسم خريطة الصناعة باستثمارات وصلت إلى 23 مليار جنيه، ومبينًا التحديات المقبلة، وخطط الانتقال من موقع المستورد إلى صفوف المصدّرين المؤثرين في المنطقة. كل ذلك يكشفه الفندي في هذا الحوار الشامل مع “البورصجية”..
يتوقع رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية، أن يصل إنتاج مصر من السكر في الموسم التسويقي 2025/2026، الذي يمتد من أكتوبر إلى سبتمبر، إلى نحو 3.18 مليون طن، منها حوالي 2.47 مليون طن من بنجر السكر، والباقي من قصب السكر، موضحًا أنه بهذا المستوى سنكون قادرين على تغطية 82.5% من الاستهلاك المحلي، مع استيراد نحو 17.5% فقط من الاحتياجات، وهو ما يعكس تقدمًا ملموسًا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وعن العوامل التي ساعدت في نمو الإنتاج، أكد أن السبب الرئيسي هو التوسع في زراعة بنجر السكر، حيث ارتفعت المساحات المزروعة هذا الموسم إلى 780 ألف فدان، مقارنة بـ 600 ألف فدان في الموسم الماضي.
وأشار أن هذا التوسع جاء نتيجة سياسة سعرية واضحة من الدولة شجعت المزارعين على زيادة المساحات، إلى جانب دعم استخدام تقنيات الري الحديثة التي أسهمت في تحسين الإنتاجية وجودة المحصول.
ولفت ” الفندي” – خلال حواره- إلى أنه يتم زراعة نحو 320 ألف فدان من قصب السكر، معظمها في محافظات صعيد مصر، ويبلغ إنتاجنا منه نحو 700 ألف طن سنويًا. كما رفعت الحكومة سعر التوريد هذا العام إلى 2500 جنيه للطن، وهو ما يحقق التوازن مع تكاليف الإنتاج ويحافظ على ربحية المزارعين، خاصة في ظل التحديات اللوجستية التي تواجه زراعة القصب.
وعن الوضع الحالي لأسعار السكر، أوضح أن الأسعار حاليًا في منحنى هابط، حيث يتراوح سعر الكيلو المعبأ بين 29 و32 جنيهًا، وهو اتجاه إيجابي بعد موجة الارتفاعات العالمية الأخيرة، مؤكدًا أن لدينا مخزون استراتيجي يكفي لأكثر من 12 شهرًا، مشيرًا إلى متابعة الوزارة للسوق بدقة لضبط أي محاولات للاحتكار أو رفع الأسعار بشكل مصطنع، مع تفعيل لجان رقابية لضمان استقرار السوق.
وأضاف: شهدت الأسواق العالمية تقلبات حادة خلال العامين الماضيين بسبب التغيرات المناخية في الدول الكبرى المنتجة مثل البرازيل والهند، وقيود التصدير التي فرضتها بعض الدول لحماية أسواقها؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 40% خلال عامي 2023 و2024.
وأوضح “الفندي”، أننا في مصر، تمكنا من التكيف عبر توسيع الإنتاج وزيادة المخزون الاستراتيجي؛ مما عزل السوق المحلي عن هذه الصدمات، كما استفدنا من انخفاضات الأسعار العالمية في بعض الفترات لتأمين واردات السكر الخام بأسعار مناسبة، وهو ما حافظ على استقرار السوق الداخلي.
وعن زيادة سعر السكر التجاري، أوضح أن بعض الشركات رفعت الأسعار بين 500 و1000 جنيه للطن بسبب تكاليف استيراد قديمة، إضافة إلى ارتفاع تكلفة النقل مع زيادة أسعار الوقود عالميًا. لكن وفرة الإنتاج المحلي حدّت من تأثير هذه الزيادات وخلقت حالة توازن في السوق، مع استمرار الاتحاد في مراقبة السوق لمنع الممارسات الاحتكارية.
رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية نفى خلال حواره مع “البورصجية”، البدء في التصدير الفعلي للسكر، وأوضح: أننا نستعد لذلك بخطوات مدروسة بعد تحقيق وفرة في السوق المحلي، بالإضافة أن لدينا خطط للتوجه إلى الأسواق الإفريقية، خاصة السودان وإثيوبيا، نظرًا لقربها الجغرافي وارتفاع الطلب، كما ندرس فتح أسواق جديدة في دول الخليج وآسيا خلال السنوات المقبلة.
ولفت، أن قرار وقف التصدير مازال قائمًا منذ صدوره في أبريل الماضي لمدة 6 أشهر، بهدف حماية السوق المحلي من أي نقص، وهو لا يشمل الكميات الزائدة عن الاحتياج المحلي.
وأشار، أن القرار قد ساهم في تثبيت الأسعار بل وخفضها؛ مما منح المصنعين والمزارعين فرصة للاستقرار وضمان استمرارية الإنتاج دون تقلبات.
وأكد، أن هناك خطة تستهدف الوصول إلى مليون فدان من البنجر خلال 3 سنوات، إلى جانب إدخال أنظمة ري حديثة لترشيد المياه بالتعاون مع الجهات البحثية الزراعية. كما يجري دعم الأبحاث لإنتاج أصناف أكثر إنتاجية وأقل استهلاكًا للمياه، وهو أمر حيوي في ظل التغيرات المناخية والضغوط على الموارد المائية.
وأوضح، أنه تم تخصيص 16 مليار جنيه لدعم زراعة القصب، و7 مليارات جنيه لدعم صناعة وتوريد البنجر، وذلك ضمن خطة حكومية شاملة لتعزيز الأمن الغذائي وتطوير الصناعة الوطنية.
رئيس شعبة السكر أكد، أن المزارعين حصلوا على حوافز مالية، منها سعر توريد البنجر الذي وصل إلى 2400 جنيه للطن عند درجة حلاوة 16%، بالإضافة إلى علاوة تبكير بلغت 200 جنيه للطن لتحفيز الزراعة المبكرة موضحًا أن هناك أيضًا حافز إضافي يبلغ 100 جنيه للطن لمن يزيد إنتاجه عن 40 طنًا للفدان، لتشجيع الإنتاجية العالية.
وأشار – في حواره- إلى تطوير البنية الزراعية، حيث تم إنشاء محطات ضخمة لإنتاج شتلات البنجر، منها محطة وادي الصعايدة بطاقة 160 مليون شتلة سنويًا، ومحطة كوم أمبو بطاقة 30 مليون شتلة سنويًا، بهدف توفير شتلات ذات جودة عالية ودعم الزراعة المستدامة.
وعن تطور الطاقة الإنتاجية للمصانع، أوضح أنه توسع مصنع الدلتا للسكر من 14 ألف طن إلى 21 ألف طن بنجر يوميًا، مع تحديث خطوط الإنتاج لرفع الكفاءة. كما توسع مصنع القناة للسكر ليُنتج حاليًا 350 ألف طن، وهناك خطة للوصول إلى 750 ألف طن سنويًا بحلول 2026، ما يعزز قدرتنا على تغطية الطلب المحلي والتصدير.
ولفت إلى أن هناك تحديات تواجه صناعة السكر في مصر أبرزها: ارتفاع تكاليف الإنتاج عالميًا، بما في ذلك أسعار الطاقة والمواد الخام، واعتماد بعض المصانع على معدات قديمة تحتاج للتحديث، بجانب ارتفاع معدل استهلاك الفرد للسكر في مصر إلى 34 كجم سنويًا مقابل 22 كجم عالميًا، وهو ما يتطلب حملات توعية لترشيد الاستهلاك.
واختتم “الفندي” حديثه بالتفاؤل عن مستقبل مصر في زراعة السكر، إذا استمر الدعم الحكومي للقطاع بنفس القوة، مؤكدًا بأن مصر ستصبح مُصدّرًا صافيًا للسكر خلال 3 سنوات.