
في حوار استثنائي جمع بين عقل الرقيب وأذرع التكنولوجيا، وخلال فعاليات معرض Cairo ICT 2025؛ رسم الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ملامح عهد جديد للقطاع المالي غير المصرفي في مصر، قوامه الرقمنة الإلزامية والبيانات الذكية، خلال المقابلة التي أدارها الأستاذ إبراهيم سرحان، رئيس مجلس إدارة شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية.
وكشف الدكتور فريد، عن خارطة طريق رقمية طموحة تتجاوز مجرد أتمتة الإجراءات، لتصل إلى تدشين تحالفات استراتيجية كبرى مع إي فاينانس وإي تاكس؛ بهدف إطلاق منصات مدفوعات موحدة، وأنظمة لكشف الاحتيال، وترسيخ بنية تحتية تكنولوجية تحول البيانات الصماء إلى قيمة اقتصادية ملموسة، مؤكداً أن التكنولوجيا لم تعد خياراً للرفاهية، بل هي طوق النجاة وعنصر الحسم في استقرار ونمو الأسواق.
ولم يقتصر الحوار على الجانب التقني فحسب، بل تطرق إلى “ثورة المفاهيم” داخل أروقة الرقابة، حيث أكد الدكتور فريد أن الهيئة غادرت مربع الرقيب التقليدي الذي يميل للمنع حفاظاً على الاستقرار، إلى آفاق الرقيب المُمكّن الذي يطوع التشريعات -مثل العقد الإلكتروني و(e-KYC) لخلق سوق مرن، ليفتح الباب لمنتجات مبتكرة كـ “الملكية التشاركية” وصناديق الذهب، لتصبح التكنولوجيا بذلك هي الضامن الوحيد للمعادلة الصعبة: سرعة في الخدمة، مع أقصى درجات الحماية للمتعاملين.
وعلى هامش فعاليات المعرض، تفقد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، جناح شركة “إي فاينانس” للاستثمارات المالية والرقمية بمعرض Cairo ICT 2025 حيث أجرى جولة تفقدية للاطلاع على أحدث الحلول التقنية التي تقدمها المجموعة.
واستمع الدكتور فريد خلال زيارته لشرح مفصل من مسئولي وقيادات الشركة حول الطفرة التكنولوجية في البنية التحتية للمجموعة، كما تم استعراض حزمة المنتجات الرقمية والحلول المبتكرة الجديدة التي طورتها الشركة لخدمة القطاع المالي، ودعم خطط التحول الرقمي في السوق المصرية.
وعلى صعيد الخطط الرقمية المستقبلية، كشف الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، عن تعاون مرتقب مع شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية، بهدف إطلاق منصة مدفوعات كاملة لكافة الخدمات التي تقدمها الهيئة للشركات الخاضعة لإشرافها.
وأضاف الدكتور فريد، في المقابلة التي أدارها الأستاذ إبراهيم سرحان، رئيس مجلس إدارة شركة إي فاينانس، أن كل شركة تتعامل مع الهيئة سيكون لها ملف إلكتروني (Profile) على المنصة الجديدة ستستطيع من خلاله سداد كافة رسوم الخدمات التي تتحصل عليها من الهيئة بشكل إلكتروني.
وأفصح رئيس الهيئة، عن تعاون آخر مرتقب مع شركة إي تاكس التابعة لشركة إي فاينانس، بشأن تمكين شركات التخصيم من الاستعلام الفوري عن الفواتير والتحقق منها، وهو ما ينظم السوق ويمنع الاحتيال.
وأكد أن الهيئة تعمل بجد على تنظيم ومكافحة الاحتيال، خاصة في القطاع الصحي وقطاع التأمين، لأن تباطؤ الخدمة بسبب هذه الممارسات يضر بالمواطن مباشرة.
وعلى صعيد التطور السريع للتكنولوجيا، شدد الدكتور فريد، أن معدل التطور التكنولوجي بات سريعاً للغاية فإن تكنولوجيا الأمس أصبحت متقادمة اليوم، قائلًا: “إن من يظن أنه امتلك التكنولوجيا فهو واهم”.
وقال رئيس الهيئة، إن البيانات في حد ذاتها بلا قيمة، لكن مع التكنولوجيا والتحليل، تتحول إلى معرفة وقيمة تتيح لك التدخل السليم.
وسرد الدكتور فريد، رحلة التحول الرقمي في الهيئة منذ توليه زمام الأمور، إذ كان هناك تحد كبير عند وضع استراتيجية الهيئة، يكمن في تعاظم الهيئة وإشرافها على 14 نشاطاً نوعياً مختلفاً يطبق نحو 14 قانوناً، موضحًا أنه كان لا بد من إيجاد عنصر مشترك وفاعل (Cross-Cutting Factor) يمر عبر جميع هذه القطاعات ويضمن تطويرها.
وأضاف عقب مجهودات ضخمة لمجلس إدارة الهيئة تم الاستقرار على أن التكنولوجيا والرقمنة هما هذا العنصر السحري المشترك بين كافة القطاعات الخاضعة لإشراف الهيئة. مضيفًا: “التكنولوجيا أمر متغير ودائم التطور، واستخدامها لم يعد خياراً، بل هو ضرورة لتحقيق مستهدفاتنا في خدمة العميل، وتقليل التعامل المباشر مع الجهات، وتطوير البنية التحتية للأسواق.”
وأكد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن الرقيب عادة يميل أكثر إلى ضمانة الرقابة واستقرار الأسواق في المرتبة الأولى قبل الرقمنة، ومن ثم فإن ما تم إنجازه في الهيئة العامة للرقابة المالية خلال السنوات الثلاث السابقة كان حلماً قبل 2023.
وتابع قائلًا: “كان من الضروري إحداث تغيير جذري، إذ انطلقت رحلة التطور من الركائز الأساسية مثل التعرف على العميل إلكترونياً (e-KYC)”. وأكد أن الهيئة اليوم بات لديها منظومة تتيح التعرف على العميل عبر رقم هاتفه ورقمه القومي، مما يقلل الاعتماد على العنصر البشري ويخفض معدلات الأخطاء البشرية إلى حدها الأدنى.
وأشار إلى أن تحركات الهيئة ساهمت في تقدم 17 شركة لاستخدام هذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى تواجد 6 شركات تعهيد قادرة على تقديم هذه الخدمات الرقمية لكل الشركات الخاضعة لإشراف الهيئة.
وتابع: أن الهيئة سعت في استكمال المنظومة القانونية والتنظيمية من خلال العقد الإلكتروني، إذ بات لدينا نصوص واضحة في القانون رقم 5 لسنة 2022، تضمن مرجعية مركزية للعقود لا يمكن تعديلها، ومن ثم بات هذا العقد الإلكتروني معترفاً به أمام المحاكم الاقتصادية، مما يوفر ضمانة وحجية كاملة للمتعاملين.
وأكد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن تطبيق التكنولوجيا يمثل تحدياً خاصاً لجهة رقابية، موضحًا أن الرقيب المالي تاريخيًا هو من أكثر أنواع الرقباء الذين يميلون لقول ‘لا’ من أجل الحفاظ على الاستقرار، ومن ثم كان علينا تغيير هذا النهج، وهو ليس بالأمر الهين.
وأضاف الدكتور فريد، إنه ومجلس الإدارة استقروا على مسارٍ متوازنٍ يهدف لاستخدام الرقمنة لتعزيز كفاءة الرقابة، وليس كبديل عنها، مؤكدًا أن تطوير قواعد البيانات الداخلية للهيئة، وتنقيحها، وتوحيدها كان أمراً حيوياً ومهماً للغاية.
وشدد على أن الإشراف بفاعلية على مئات الشركات العاملة في مجالات الأنشطة المالية غير المصرفية لن يحدث دون الاعتماد على بنية تكنولوجية صلبة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) في تحليل البيانات الضخمة.
وأشار رئيس الهيئة، إلى أن هذا التحول التكنولوجي أدى لنتائج ملموسة؛ فقد تنامى السوق بأضعاف أرقام ما قبل 2023، كما نستهدف مضاعفة حجم قطاع التأمين بـ 4 أو 5 مرات خلال الفترة المقبلة.
وأكد أن الرقمنة فتحت الباب لمنتجات لم تكن ممكنة من قبل، مثل السماح لشركات التأمين ببيع وثائقها إلكترونياً، وجار استكمال الربط الإلكتروني الكامل معها، بالإضافة إلى إتاحة رخص جديدة للشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية والتمويل، مع قواعد حاكمة متدرجة تسمح لها بالنمو.
وتابع: أطلقنا أول منصة رقمية للملكية التشاركية (Fractional Ownership)، تتيح للمواطن شراء أجزاء صغيرة من عقار، كاشفًا أن عقب هذا التنظيم، تلقت الهيئة نحو 25 طلباً لإنشاء صناديق استثمار عقاري، مقارنة بصندوقين فقط قبل ذلك. ولفت إلى أن الهيئة قامت بتنظيم صناديق الاستثمار في المعادن، لتوفير قناة استثمارية آمنة ومنظمة وتحت الرقابة.
وتابع الدكتور فريد، أن رسالة الهيئة تهدف إلى نمو الأسواق، وأن يحصل المواطن الذي يتعامل مع أي شركة خاضعة لنا على خدمة ميسرة، سريعة، وآمنة، وأن يكون الرقيب هو المرجع والفيصل، واستخدامنا للتكنولوجيا هو الضمان لتحقيق هذا التوازن.
وأوضح رئيس الهيئة أن 25 شركة من بين 79 شركة مالية غير مصرفية تقدم خدماتها رقميًا بالكامل، بينما تستوفي 54 شركة المتطلبات الرقمية، مع قيد 6 شركات تعهيد في السجل الجديد، ووفقًا للتوزيع القطاعي، تستحوذ خدمات التأمين الرقمية على 6%، والتمويل على 29%، وسوق رأس المال على 65%.
وردًا على سؤال من أحد الحاضرين، كشف الدكتور فريد، عن عقيدته في الإدارة، وحول سر الطاقة المبذولة والجمع بين الأعباء التنفيذية والحرص على الدراسة الأكاديمية المستمرة، بأن العمل العام “مسؤولية أخلاقية” قبل أن تكون وظيفية.
واستشهد رئيس الهيئة بمقولة: ” من تصدر للعمل العام فقد تصدق بجزء من حياته العائلية والاجتماعية.”، معلقاً على ذلك بقوله: “إن ارتضاء هذه المسؤولية يفرض علينا واجباً مقدساً يجلب النقد حتى ولو واصل المسؤول العمل ليل نهار، وهو ألا نتوقف عن ‘المذاكرة’ والتعمق في أدق تفاصيل الملفات. المعرفة هنا ليست ترفاً، بل هي ضرورة حتمية. نحن نجتهد ونذاكر يومياً لأن السوق لا يحتمل قرارات سطحية؛ فكل قرار نتخذه يجب أن يكون نتاج علم ودراسة مستفيضة لنضمن أنه يحقق النفع الحقيقي للسوق ويحمي المتعاملين.”
واختتم رئيس الهيئة، بالتأكيد على أن الهيئة تؤسس لاقتصاد حديث قائم على الأفكار الطموحة قبل رأس المال، وعلى التشريع المُحفّز قبل الرقابة التقليدية، وعلى الرقمنة قبل الورق، وعلى الابتكار قبل الإجراءات.




