
راعى كنيسة السيدة العذراء مريم بالمنيا لـ«البورصجية»
تحويل الدير لمزار عالمى وتطويره ضمن مسار رحلة العائلة المقدسة
على مدار ثلاث سنوات ونصف، سلكت العائلة المقدسة طريقًا شاقًا من بيت لحم إلى أرض مصر، هربًا من بطش الإمبراطور هيرودس. وخلال هذه الرحلة المباركة، باركت العائلة المقدسة أكثر من 25 موضعًا في ربوع البلاد، من بينها “جبل الطير” بمحافظة المنيا، الذي يضم واحدًا من أقدس المزارات المسيحية في العالم.
راعي كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير، القس ثاوفيلس، يحدثنا في هذا الحوار عن تاريخ الدير، وأسراره، وأهميته الروحية والسياحية.
وصف راعي كنيسة السيدة العذراء التخطيط العمراني لدير جبل الطير قائلًا: يقع على قمة جبل ملاصق للنيل من الجهة الشرقية، على بُعد ثلاثة كيلومترات من معدية بني خالد، وأربعة كيلومترات من مدينة سمالوط بمحافظة المنيا. أما الكنيسة الأثرية بالدير تتبع الطراز البازيليكي، وتضم صحنًا محاطًا بعشرة أعمدة منحوتة في الصخر، وهياكل مخصصة للعذراء مريم والشهيدة دميانة، بالإضافة إلى مغارة أثرية استراحت فيها العائلة المقدسة.
وبحسب القس ثاوفيلس، فإن تاريخ مغارة جبل الطير كان مجهولاً حتى زارت الملكة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، مصر عام 328م، وتيقنت أن العائلة المقدسة استقرت في المغارة ثلاثة أيام. فأمرت بنحت صخرة وشيدت الكنيسة، التي ما تزال قائمة حتى اليوم، وتم تطويرها لاحقًا في عهد الأنبا ساويروس عام 1938.
يضم دير جبل الطير مجموعة من الكنوز الأثرية النادرة التي تُجسد عمق البُعد التاريخي والروحي لهذا المكان المقدس، في مقدمتها المغارة الأثرية التي استراحت بها العائلة المقدسة لثلاثة أيام، والتي كانت الدافع الأول لإنشاء الكنيسة فوقها. كما يحتضن الدير معمودية أثرية استثنائية محفورة في أحد أعمدة الكنيسة.
ويضم الدير أيضًا اللقان الأثري المستخدم ثلاث مرات سنويًا خلال عيد الغطاس وخميس العهد وعيد الرسل، وهو تجويف طقسي له طابع رمزي كبير في العقيدة المسيحية.
أما حامل الأيقونات الأثري (الحجاب)، فهو قطعة نادرة نُقشت عليها صور التلاميذ الاثني عشر، وتم الاحتفاظ بما تبقى منها داخل الكنيسة، لتظل شاهدًا على فخامة وروحانية الفن القبطي القديم.
وعن سر تسمية الدير بهذا الاسم.. روى ” ثاوفيلس”، أن الدير يحمل ثلاثة أسماء: “دير جبل الطير”، ويرجع ذلك نسبة لطائر البوقيروس المهاجر، و”دير البكرة” الذي سمي بسبب وجود بئر وسلالم، و”دير الكف” وهي تسمية تستند إلى قصة أسطورية عن ساحرة حاولت إيذاء العائلة المقدسة، لكن الرب يسوع أوقف صخرة بكفه فانطبعت عليها بصمته.
أما عن حياة الناس في الدير، فكشف أنه يسكنه نحو 20 ألف نسمة، حيث يمتد على مساحة تقارب 2000 متر مربع، موضحًا أن السكان يعتمدون اقتصاديًا على العمل في المحاجر، لكن النشاط السياحي المرتبط بمولد العذراء هو المصدر الأهم، حيث يزور الدير سنويًا أكثر من مليوني شخص، ما يجعل السياحة مصدر رزق أساسي لـ 80% من الأهالي.
ولفت راعي الكنيسة – خلال حواره مع “البورصجية”- إلى الاحتفال السنوي والذي يعتمد على البساطة، قائلًا: “كان الاحتفال قديمًا يقتصر على الصلوات، لكن اليوم أصبح مهرجانًا دينيًا وسياحيًا متكاملًا، يشمل أماكن مبيت، فندق العائلة المقدسة، متاجر، ومرافق خدمية”، موضحًا أن الدير يضم عدة كنائس، أبرزها: كنيسة القديسة سالومي وكنيسة القديس أبو مقار.
وعن جهود الكنيسة في تطوير المنطقة، أوضح إنه تحت رعاية نيافة الأنبا بفنوتيوس، تم إنشاء مباني خدمية، مدرسة إعدادية، مكتبة، قاعات محاضرات، 7 معموديات، مضيفات، مستوصف طبي، وسينما دينية، ما جعل من الدير مركزًا روحيًا وثقافيًا واجتماعيًا متكاملاً.
وأشار راعي الكنيسة إلى جهود الدولة لتحويل الدير إلى مزار عالمي، كاشفًا أنه استجابة لأهمية الدير، قامت الدولة برصف الطرق المؤدية إليه، وتشجيرها، وترميم الكنيسة الأثرية، وتجميل الواجهات، كما تم نحت لوحات بارزة تحكي رحلة العائلة المقدسة، وإنشاء استراحة لكبار الزوار، بهدف تحويل المكان إلى مقصد للحج الديني العالمي.
وتَتبع رحلة العائلة المقدسة في مصر، قائلًا: بدأت الرحلة من الفرما، مرورًا بتل بسطا، مسطرد، بلبيس، سمنود، سخا، وادي النطرون، المطرية، مصر القديمة، المعادي، ثم إلى المنيا، حيث دير جبل الطير، واستطرد: ومن هناك إلى الأشمونين، قسقام، مير، حتى جبل درنكة بأسيوط، حيث اختتمت العائلة رحلتها قبل العودة إلى فلسطين.
الرحلة، اُعترف عالميًا بأهميتها، حيث قام البابا فرنسيس بابا الفاتيكان السابق، بمباركة أيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر، واعتبرها منطقة حج لمسيحيي العالم؛ مما عزز مكانة مصر الروحية عالميًا.
لذا، يبقى دير جبل الطير شاهدًا على عبور النور إلى أرض مصر، ومحطة من محطات البركة والتاريخ التي تروي فصولًا من رحلة إلهية مباركة، امتزجت فيها المعاناة بالرجاء، والقداسة بالأثر، والإنسان بالمكان.