على مدار ثلاث سنوات ونصف زارت العائلة المقدسة ” السيد المسيح والسيدة العذراء مريم ويوسف النجار” أرض مصر، بعد هروبهم من بطش الإمبراطور هيرودس، الذى أراد قتل الطفل “يسوع”، وسلكت تلك الرحلة المقدسة والشاقة المليئة بالآلام والمتاعب، باركت خلالها العائلة المقدسة نحو 25 بقعة في ربوع مصر المختلفة.
ومؤخرًا، وعلى مدار ٣ أيام، نظمت نقابة الصحفيين بالتعاون مع مؤسسة مصر المباركة للتنمية وإحياء التراث، ندوة تحت عنوان «على الخطى المقدسة.. كنز تنفرد به مصر بين إنجازات الحاضر وتكنولوجيا المستقبل»، حيث تم عرض مسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر بتقنية الواقع الافتراضى بـ 7 لغات .
في السطور التالية نتعرف على المزيد من خلال حوارنا مع القس ثاوفيلس راعي كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير…
وصف التخطيط العمراني للكنيسة الأثرية يثير الدهشة.. فأين يقع دير جبل الطير؟
يقع دير جبل الطير على قمة الجبل الملاصق لنهر النيل من الجهة الشرقية، على بعد ثلاثة كيلو مترات من جنوب معدية بني خالد بسمالوط، وعلى بعد 4 كيلو مترات من مدينة سمالوط، وتخطيط الكنيسة يرجع للتخطيط البازيليكى، والذى يتكون من صحن يحيط به عشرة أعمدة منحوته فى الصخر، وممرين شمالى وجنوبى وممر غربى راجع، وممر مستعرض الخورس.
ويوجد الهيكل الأوسط به مذبح على اسم القديسة العذراء، وهيكل جانبى من الناحية الشمالية به مذبح على اسم الشهيدة دميانة، والهياكل متصلة بعضها البعض من خلال فتحة صغيرة، أما المغارة الأثرية فتقع جنوب الهيكل الأوسط وهى منحوتة فى الصخر، وقد استراحت فيها العائلة المقدسة.
متى وكيف تم اكتشاف الدير تاريخيًا؟
ظلت مغارة دير جبل الطير مجهولة، لا أحد يعلم عنها شيئًا، حتى جاءت الملكة هيلانة – أم الملك قسطنطين الكبير- إلى سمالوط سنة 328 م، والتي كانت تتتبع مسار رحلة العائلة المقدسة لمصر، وتيقنت أن العائلة المقدسة لجأت لهذه المغارة وأقامت بها ثلاثة أيام.
فأمرت الملكة بنحت صخرة على المغارة وشيدت الكنيسة الأثرية الموجودة إلى الآن، والدور الأول كله من الكنيسة عبارة عن صخرة منحوتة فى الجبل، أما الدور الثانى والثالث تم إنشاؤه حديثًا فى عهد المتنيح الأنبا ساويروس مطران المنيا والأشمونين سنة 1938 م.
هي يوجد آثار داخل الدير؟
بالطبع، والآثار الموجودة بالدير عبارة عن:
1 – “المغارة” التى لجأت إليها العائلة المقدسة وأقامت بها نحو ثلاثة أيام، وهي السبب في بناء الكنيسة .
2 – “المعمودية الأثرية” وهى منحوتة في إحدى أعمدة الكنيسة، و يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، ولا يوجد مثيلها في سائر الكنائس.
3 – اللقان الأثري في صحن الكنيسة، عبارة عن تجويف تستخدمه الكنيسة ثلاثة مرات في السنة لقان عيد الغطاس، وخميس العهد، وعيد الرسل .
4 – الحجاب الأثري ( حامل الأيقونات ) ويوجد في الكنيسة بقايا الحجاب الأثري الذي كان مكون من حجاب من الصخر منحوت عليه صورة 12 تلميذًا، وبه بعض الرموز القبطية، وبسبب بساطة الناس كان يقوم البعض بأخذ أجزاء منها على سبيل التبرك فضاع غالبيتها.
وفي أثناء تجديد الكنيسة في عهد البابا ساويرس، قام بتجميع بقايا الحجاب فوجد حوالي 7 قطع من صور للتلاميذ المنحوتة على الصخرة وبعض الرموز القبطية، ووضعها في الباب الغربي للكنيسة، وقام بعمل الحجاب الخشبي الحالي .
ما هو سر تسمية الدير بهذه التسمية؟ وهل هناك أسماء أخرى بخلاف جبل الطير؟
أطلق على الدير ثلاثة أسماء هم: (دير جبل الطير_ دير البكرة _ دير الكف)، ولكل اسم دلالة، فدير جبل الطير: تحدث عنه شيخ المؤرخين المصريين ” أحمد بن علي المقريزي” المعروف باسم “تقي الدين المقريز”ي فى خططه المقريزية، ونسب الاسم لوجود طائر اسمه البوقيروس، وهو طائر مهاجر يشبه أبوقردان حول عنقه ريش طويل.
كان يجتمع فى وقت معين في السنة بأعداد كبيرة حول صخور الدير، ومن كثرة تجمع الطير على الجبل سنويًا أطلق عليه دير جبل الطير.
أما تسمية دير البكره أو البكاره: فقال عنه علي باشا مبارك يوجد دير على سفح الجبل بالقرب من مدينة سمالوط بالمنيا به بكاره وسلمتين، سلم من الجهة القبلية للدير وأخرى من الجهة البحرية، وهاتين السلمتين تؤديان إلى مغارة بالكنيسة الأثرية بالدير.
لماذا يسمي البعض الدير بدير “الكف”؟
حكاية تسمية الدير بدير الكف، تعود إلى إنه كانت هناك ساحرة شريرة تسكن الدير كانت تربط سلسلة بإحدى صخور الجبل وتثبتها فى النيل لعرقلة المراكب الشراعية والسفن التي تمر من أمام الدير؛ لتأخذ منهم إتاوة، وعندما جاءت العائلة المقدسة إلى الدير ارتعبت الساحرة، وفكرت فى الانتقام منهم، فصعدت فوق الجبل وأسقطت صخرة كبيرة من الجبل على العائلة المقدسة، ولكن الرب يسوع له المجد عندما رأى الصخرة تسقط عليهم رفع كفه على الصخرة فانطبع كفه على الصخرة ووقفت في الحال، وسقطت الساحرة هي وأعوانها من أعلى الجبل، وانتهت قصتها، وهذه القصة رواها البابا ثاؤفيلس، البابا رقم 23 من باباوات الكرسى المرقسى، حيث ظهرت له السيدة العذراء وروت له تاريخ رحلة العائلة المقدسة وتلك القصة موجودة فى الميمر، والميمر له ثلاث نسخ ، واحدة فى دير المحرق والثانية بدير السريان والثالثة بروما لدي الفاتيكان.
أما الصخرة فأخذوها الرحالة أيام الاحتلال الانجليزي على مصر، وحاليًا توجد فى المتحف البريطانى وحجمها 70سم فى 50 سم .
وعندما نحضر طفل صغير عمره حوالي سنتين ونصف ونضع كفه فى الصخرة نجدها نفس مقاس الكف المطبوع.
كيف يعيش السكان في هذا الدير وما طبيعة عملهم؟
تبلغ مساحة الدير حوالي 2000 متر مربع تقريبًا، وعدد سكانه نحو 20 ألف نسمة تقريبًا، أما عن معيشتهم فالغالبية العظمى مورد رزقهم من العمل في المحاجر، ويعتمدون بشكل أساسي على دخل المولد، حيث يقومون ببيع بعض الهدايا والمأكولات أو الملابس ولعب الأطفال للزائرين، أو يقومون بتأجير غرف داخل منازلهم للزائرين مقابل مادي خلال الاحتفال السنوي، والذي يستمر لمدة أسبوع.
ويزور الدير خلال المولد أكثر من مليوني زائر من شتى بقاع الجمهورية، والبعض يقضي الأسبوع كاملاً والبعض الآخر يقضي يوم أو بضعة أيام، ونقوم بعماد أكثر من 5 آلاف طفل فى هذا الأسبوع؛ لذلك 80% من سكان الدير يعيشون على دخل السياحة.
هل اختلف شكل الاحتفال في الدير قديمًا عن اليوم؟
قديمًا كان الاحتفال بسيط والدير غير معروف وكان لا يوجد أماكن للمبيت، وكان يقتصر على بعض الصلوات، أما الآن فيوجد أماكن للمبيت والتسوق والملاهي ويوجد فندق سياحي اسمه العائلة المقدسة، وعلى مدار العام تتوافد الرحلات على الدير من المصريين والأجانب.
ومبنى المطرانية يحتوي على 7 معموديات، وقاعة للمحاضرات واللقاءات الروحية، مكتبة الكنسية للكتب الهدايا التذكارية، أما الدور الأول فيوجد به استراحة لاستقبال كبار الزوار واستراحة للمطران، ومضيفة لاستقبال رحلات اليوم الواحد واستراحة للكهنة واستراحة للزائرين، ومبنى لاستقبال الرحلات والخلوات الصيفية و المؤتمرات الروحية ويتسع لأكثر من 200 فرد، و له طابع خاص لأنه يخدم اهل الدير ويخدم الزائرين، وبه صيدلية، كافيتريا، سينما دينية، مينى ماركت، عيادات لجميع التخصصات، وبه إقامة للمرضى.
كيف اهتمت الدولة بتطوير منطقة الدير؟
قامت الدولة بتطوير منطقة الدير وتحويله إلى مزار سياحي عالمي، حيث يُعد الدير من أبرز المحطات الرئيسية الـ 25 لرحلة العائلة المقدسة إلى مصر، وجاءت أعمال التطوير لتتناسب مع أهمية الحدث وأهمية المكان الذي عاشت به العائلة المقدسة بضعة أيام وأصبح مزار هام.
ووجهت الدولة برفع كفاءة الطرق والمحاور التي تربط نقاط المسار بالمواقع السياحية والأثرية لإضفاء مظهر جمالي وحضاري عليها بما يليق بمسار العائلة المقدسة؛ لتكون مؤهلة لاستقبال الوفود السياحية من كل دول العالم وتوفير كافة سبل الراحة لهم واستغلال هذا المعلم السياحي الأثري في تعظيم موارد السياحة.
ما هي أبرز المحطات في رحلة العائلة المقدسة لمصر؟
استمرت رحلة العائلة المقدسة لمصر على مدار نحو ثلاث سنوات ونصف، وقد بدأت الرحلة بمدينة الفرما، حيث سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ37 كم، ودخلت مصر عن طريق الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدنيتي العريش و بورسعيد .
ثم ارتحلت إلى بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية، واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة، عرفت باسم “شجرة العذراء مريم”، ثم إلى منية سمن ود أو سمنود حاليًا، واستقبلهم شعبها بصورة جيدة، فباركهم المسيح ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت، يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها، ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد بنفسه. ثم المطرية، وكانت توجد في هذا المكان شجرة، استظلوا بها من حر الشمس، وتعرف حتى اليوم باسم “شجرة مريم”، وانبع المسيح نبع ماء وشرب منه، وغسلت فيه السيدة العذراء ملابسه.
ثم ارتحلت العائلة المقدسة الي مصر القديمة، حيث يوجد بها العديد من الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة وتحولت فيما بعد إلى كنائس، إلى أن وصلت سمالوط (جبل الطير)، واستقرت العائلة المقدسة في المغارة الأثرية الموجودة في الكنيسة بجبل الطير ثلاثة ايام .
أما عن طريق العودة.. فانطلقت العائلة في رحلتها عائدة من الصعيد حتى وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء فلسطين، حيث يسكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.
كيف بارك بابا الفاتيكان مسار العائلة المقدسة؟
قام قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان بمباركة أيقونة رحلة العائلة المقدسة فى مصر، واعتبار رحلة العائلة المقدسة بمصر كمنطقة حج لمسيحي العالم.