
في خطوة غير مسبوقة، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن خطة لإدراج مجموعة من العملات الرقمية المشفرة ضمن الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، مع التركيز بشكل خاص على عملات مثل البيتكوين والإيثر.
جاء هذا الإعلان عبر تغريدة نشرها ترامب على منصة “تروث سوشيال”، حيث عبر عن عزمه على تعزيز مكانة الولايات المتحدة في هذا القطاع الحيوي الذي شهد تحولات ضخمة في السنوات الأخيرة.
ترامب أكد أن هذا القرار يُعد خطوة مهمة لتحسين صناعة العملات المشفرة، والتي تعرضت لهجمات متكررة خلال إدارة الرئيس جو بايدن السابقة، فقال في تغريدته: “إن الاحتياطي الأمريكي للعملات المشفرة سيعمل على تقوية هذه الصناعة بعد سنوات من الهجمات السلبية التي شهدناها في عهد بايدن”.
وأشار إلى أن الأمر التنفيذي الذي أصدره في يناير الماضي بخصوص الأصول الرقمية، سيساعد في تجميع مخزون من العملات المشفرة الهامة مثل بيتكوين وإيثر، بالإضافة إلى ريبل (XRP)، سولانا (SOL)، وكاردانو (ADA)، وهي عملات لم يُكشف عنها بشكل رسمي سابقًا.
نحو المستقبل
فيما يتعلق بالتفاصيل، أوضح ترامب أن الأمر التنفيذي الذي تم توقيعه في يناير المنصرم يحدد خطوات واضحة لتشكيل هذا الاحتياطي الاستراتيجي. وأكد أن مجموعة العمل الرئاسية ستتولى تنفيذ الخطة التي تشمل العمل على تكديس كميات كبيرة من عملات ريبل، سولانا، وكاردانو. وأضاف الرئيس السابق: “أنا عازم على أن تجعل الولايات المتحدة من نفسها عاصمة العملات المشفرة في العالم. نحن نعمل على جعل أميركا عظيمة مرة أخرى.”
من ناحية أخرى، أكد ترامب في تغريدة لاحقة أن عملتي البيتكوين والإيثر ستكونان في قلب هذا الاحتياطي الاستراتيجي، وأعرب عن إعجابه الكبير بهما. بعد هذا الإعلان، شهدت قيمة العملات المشفرة المذكورة ارتفاعات ملحوظة، حيث ارتفعت قيمتها بنسبة تتراوح بين 8 و62% في تداولات الأحد.
وكانت العملات الرقمية قد شهدت تقلبات شديدة في الآونة الأخيرة، حيث تأثر العديد من المستثمرين سلبًا بخسائر فادحة، مما أدى إلى تراجع قيمة العديد من الأصول المشفرة. لكن تصريحات ترامب أحيت الأمل والتفاؤل في السوق، مما أسهم في ارتفاع أسعار الأصول الرقمية.
بعد تصريحات ترامب، شهدت العملات الرقمية الخمسة الرئيسية قفزات كبيرة في قيمتها. على سبيل المثال، عادت عملة البيتكوين للتداول فوق مستويات 91 ألف دولار، مسجلة ارتفاعًا بنسبة تزيد عن 7%. كذلك، سجلت عملة كاردانو زيادة ضخمة بنسبة تفوق 54%، بينما حققت عملة ريبل ارتفاعًا بنسبة 25%، وسولانا سجلت زيادة فاقت 14%. على ضوء هذه الارتفاعات، بلغت مكاسب سوق العملات المشفرة نحو 260 مليار دولار في ساعة واحدة، ليعود إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة إلى ما فوق 3 تريليونات دولار.
في السياق، أوضح محللون من وكالة رويترز أن هذا الإعلان أعطى دفعة إيجابية للسوق الذي كان قد شهد تراجعًا حادًا في الأسابيع الأخيرة بسبب المخاوف من تشديد السياسات النقدية الأمريكية.
وعلى الرغم من القيود الصارمة التي فرضتها إدارة بايدن على العملات المشفرة في محاولة للحد من عمليات الاحتيال وغسل الأموال، إلا أن العديد من المستثمرين اعتبروا تصريحات ترامب بمثابة فرصة جديدة لإنعاش السوق. كما أن الدعم المستمر من ترامب لقطاع العملات المشفرة خلال حملاته الانتخابية كان له تأثير إيجابي على قيمة هذه العملات، على الرغم من السياسات المثيرة للجدل التي تبناها في مجالات أخرى، مثل زيادة الرسوم الجمركية.
“ميم” ترامب
لا تُعد هذه التصريحات الأولى التي يدلي بها ترامب بخصوص العملات الرقمية. ففي الفترة التي سبقت تنصيبه، قام هو وزوجته ميلانيا بإطلاق عملتين رقميتين مشفرتين من فئة “عملات ميم”، وهي عملات تتميز بتقلباتها الشديدة والتي يقتصر تداولها على المضاربة البحتة. هذه العملات، التي لا تتمتع بفوائد اقتصادية أو عملية، غالبًا ما تعتبر من الأصول شديدة المخاطرة.
وسبق أن تطرق ترامب إلى فكرة الاحتياطي الاستراتيجي للعملات الرقمية في يوليو 2024، حيث كشف لأول مرة عن خططه لبناء مخزون من البيتكوين. ورغم أن التفاصيل القانونية والتمويلية لهذا المشروع لم يتم تحديدها بعد، إلا أن هناك العديد من السيناريوهات التي يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية لتنفيذ هذه الخطوة، مثل شراء العملات الرقمية من الأسواق أو الاستحواذ على الأصول المصادرة في القضايا المالية.
من جهة أخرى، أعلن البيت الأبيض عن تنظيم أول قمة للعملات المشفرة في تاريخ البيت الأبيض تحت رئاسة ترامب، والمقرر إقامتها يوم الجمعة المقبل. القمة ستكون فرصة للقاء عدد من الرواد البارزين في مجال العملات المشفرة، بمن فيهم مؤسسون ورؤساء تنفيذيون ومستثمرون في هذا المجال، وكذلك أعضاء مجموعة العمل الرئاسية التي تعنى بالأصول الرقمية.
آراء متباينة
من جانبه، أعرب محمد عبد المطلب، المدير الشريك في شركة XPay، عن رأيه بأن هذه الخطوة تمثل قفزة جريئة، خاصة أن هناك دولة واحدة فقط في العالم، وهي السلفادور، التي تمتلك احتياطيًا استراتيجيًا من العملات الرقمية. وأضاف أنه رغم استفادة الاقتصاد الأمريكي من هذه الخطوة، فإن الكثير من الحكومات لم تتخذ بعد موقفًا نهائيًا بخصوص تصنيف العملات المشفرة كأصول احتياطية.
فيما يرى مؤيدو الفكرة أن الاحتياطي الاستراتيجي للعملات الرقمية سيمكن الاقتصاد الأمريكي من التكيف بشكل أفضل مع التضخم، فضلاً عن تعزيز مكانة الولايات المتحدة في السوق العالمية للعملات المشفرة. كما يتوقع البعض أن هذا الاحتياطي قد يستخدم مستقبلاً كأداة لدعم قيمة الدولار الأمريكي وتقليل حجم الديون الوطنية.
وفي المقابل، يعرب البعض عن مخاوفهم من أن العملات المشفرة لا تزال أصولًا غير مستقرة، وقد تشكل خطراً في حال الاعتماد عليها كاحتياطي استراتيجي. هذه المخاوف تأتي في وقت لا تزال فيه العديد من الحكومات تفرض قيودًا صارمة على استخدام هذه العملات.
خطوة عربية
في سياق متصل، كشف مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، عن نية البنك المركزي العراقي إصدار عملة رقمية. وقال صالح إن هذه الخطوة ستكون بمثابة نقلة نوعية في النظام المالي الوطني، مشيرًا إلى أنها ستساهم في تعزيز الشفافية وتقليل التكاليف المرتبطة بالعملة الورقية.
وأضاف أن العملة الرقمية ستساعد في تحسين الرقابة على التدفقات المالية، ومن ضمنها مكافحة غسل الأموال. وأوضح أنه من الضروري توفير بنية تحتية تقنية قوية لتبني هذه العملة الرقمية، مثل شبكات الإنترنت المتطورة ونظام أمني متقدم لحماية البيانات والمعاملات.