تسعى الحكومة إلى مواجهة العديد من التحديات المحلية والإقليمية المتزايدة، من خلال تنفيذ استراتيجيات وسياسات تهدف إلى تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني وتنميته.
في هذا السياق، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة وضعت عدة سيناريوهات للتعامل مع أي تصاعد محتمل في الأوضاع الإقليمية، موضحًا أن مصر مستعدة للتعامل مع كافة الاحتمالات. هذه التصريحات جاءت في وقت يتسم بالكثير من الضغوط الاقتصادية المحلية والعالمية، وهو ما يفرض على الحكومة اتخاذ تدابير استثنائية لضمان استقرار الأسواق المحلية وتوفير السلع الأساسية للمواطنين، بما يحقق توازنًا بين الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات المواطنين.
خطوات استراتيجية استباقية
مدبولي أوضح أن الحكومة المصرية تواصل اتخاذ خطوات استراتيجية لضمان استقرار الاقتصاد، مع التركيز على الحفاظ على استدامة عجلة الإنتاج والصناعة، وهي من الأولويات القصوى في المرحلة الحالية. وأضاف أن الحكومة تلتزم بتسديد كافة مستحقات الدولة من أقساط وفوائد، على الرغم من التحديات التي تواجهها، مما يعكس التزامًا قويًا بالحفاظ على استقرار الوضع المالي للدولة.
من جانب آخر، ركز رئيس الوزراء على أهمية السياسة النقدية والمالية التي تتبعها الحكومة، والتي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل. كما أكد أن مصر تسير في اتجاه تحسين بيئة الأعمال بما يدعم استدامة النمو الاقتصادي، ويرسخ الثقة في الاقتصاد المصري على الصعيدين المحلي والدولي.
هيكلة الهيئات الاقتصادية
إحدى الخطوات المهمة التي اتخذتها الحكومة في هذا السياق هي خطة إعادة هيكلة بعض الهيئات الاقتصادية التي تملكها الدولة. في تصريحاته، أشار الدكتور مدبولي إلى أن الحكومة تعمل على إعادة تقييم الهيئات الاقتصادية، ودمج بعضها أو تصفيته وفقًا لمؤشرات الأداء. بعض هذه الهيئات حققت أرباحًا ولكنها لم تصل إلى الأرقام المستهدفة، فيما يعاني البعض الآخر من مشاكل مالية كبيرة أدت إلى تراجع كفاءتها.
وأوضح رئيس مجلس الوزراء أن الهدف من هذه الخطوة هو تعزيز أصول هذه الهيئات لتحقيق أداء أفضل يخدم الاقتصاد الوطني. بعض الهيئات التي تعاني من الخسائر سيتم دمجها مع هيئات أخرى أو قد يتم تصفيتها إذا كانت تمثل عبئًا على الدولة دون أي مردود إيجابي.
في وقت سابق من الأسبوع الجاري، استعرضت الحكومة تقارير تفصيلية بشأن إعادة هيكلة 59 هيئة اقتصادية، حيث تم تقييم كل هيئة بناءً على معايير متعددة تشمل الأداء المالي والإداري، ومدى توافق الأنشطة مع الأهداف الاستراتيجية للدولة. وفي هذا الصدد، أشار الدكتور حسين عيسى، رئيس لجنة إصلاح وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية، إلى أنه تم اتخاذ قرارات هامة بناءً على الدراسات التي أجريت على هذه الهيئات.
تقرير اللجنة أوصى بالإبقاء على 29 هيئة مع تحسين إدارتها وفقًا لمعايير الحوكمة، وتم دمج ثلاث هيئات لتقليل التكاليف، بينما تم التوصية بتصفية هيئة واحدة وتحويل سبع هيئات إلى هيئات عامة نظرًا لعدم توافق أنشطتها مع طبيعة الهيئات الاقتصادية.
هذه الإجراءات تأتي في إطار رؤية متكاملة تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي للمؤسسات الحكومية وتعظيم دور القطاع العام في دعم الاقتصاد، ما يساعد في تحقيق التكامل الاقتصادي الذي يسهم في تحسين الأداء الاقتصادي للدولة.
دور القطاع الخاص
إلى جانب جهود الحكومة في إصلاح هيئات الدولة، يعد القطاع الخاص أحد المحركات الرئيسية لنمو الاقتصاد المصري في السنوات المقبلة. حيث يشير تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن القطاع الخاص يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الرخاء والنمو الاقتصادي المستدام، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية السريعة على الصعيدين المحلي والعالمي.
وقد اتخذت الحكومة خطوات لتهيئة بيئة أعمال مواتية لنمو القطاع الخاص، مع التركيز على توفير فرص استثمارية في قطاعات متنوعة مثل الصناعات الزراعية، الصناعات التحويلية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويعد القطاع الخاص، وفقًا للبنك الدولي، محركًا رئيسيًا للابتكار وزيادة الإنتاجية، وله دور محوري في توفير فرص العمل، وهو ما يُعد أمرًا بالغ الأهمية في ظل النمو السكاني السريع في مصر.
وفي إطار تعزيز دور القطاع الخاص، وضعت الحكومة المصرية أهدافًا طموحة بحلول عام 2030، تشمل رفع نسبة مساهمة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 60 مليار دولار سنويًا، إضافة إلى زيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار. هذه الأهداف تتطلب تعزيز بيئة الأعمال المحلية وتحسين العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، مع تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات.
من جهة أخرى، يواجه القطاع الخاص في مصر العديد من التحديات التي قد تعيق نموه. وفي هذا الصدد، يشدد الخبراء على ضرورة وضع رؤية متكاملة لإصلاح أوضاع الهيئات الاقتصادية المملوكة للدولة، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز معدلات النمو والتنمية المستدامة. الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، أشار إلى أن عملية دمج المؤسسات والشركات تحتاج إلى خبراء متخصصين في المجال الاقتصادي لدعم هذه الرؤية وتحقيق الأهداف المنشودة.
من جهته، شدد الخبير وشاد عبده على ضرورة استقرار السياسات الاقتصادية في مصر، موضحًا أن السياسات الاقتصادية الناجحة تكون ثابتة ولا تتغير مع تغييرات المسؤولين. وأشار إلى أن السياسات المستقرة تساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
دعم البنك الدولي
أحد أبرز الشركاء الدوليين الذين يدعمون جهود الحكومة في تعزيز الاقتصاد هو البنك الدولي. ففي تقرير حديث، أشاد البنك الدولي بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص. كما دعم البنك الدولي الحكومة في تنفيذ سياساتها الخاصة بالمؤسسات المملوكة للدولة، من خلال تحسين أنظمة الحوكمة والإدارة المالية.
وفي هذا الإطار، قدم البنك استشارات استراتيجية من خلال برنامج الطروحات الحكومية لدعم استثمارات القطاع الخاص وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومنذ عام 2020، تعهد البنك الدولي بتقديم أكثر من 3.7 مليارات دولار لدعم القطاع الخاص في مصر، حيث شملت هذه التمويلات مشروعات في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ والصناعات الزراعية.
إجمالًا، تمثل السياسات الاقتصادية الحالية في مصر، بما في ذلك إصلاح الهيئات الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص، جزءًا من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام، في ظل التحديات الإقليمية والعالمية.
ورغم التحديات الكبيرة، فإن الخطوات التي تتخذها الحكومة، بالتعاون مع البنك الدولي والشركاء الدوليين، تمهد الطريق لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المستقبلية.