في السنوات الأخيرة، واجه قطاع الكهرباء عدة تحديات في توفير الكهرباء بسبب زيادة الطلب المتسارعة على الطاقة، فضلًا عن تقلبات الأسعار العالمية للوقود. ومع ذلك، فقد اتخذت الحكومة خطوات جادة نحو تحسين الوضع، عبر تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد للاستفادة من الطاقة المتجددة وتطوير بنية الشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي مع الدول المجاورة. في هذا التقرير، نعرض أبرز التحديات التي يواجهها القطاع والجهود الحكومية لتطويره وتحقيق الاستدامة في تزويد الكهرباء للمواطنين.
الخطة المستقبلية
أعلن رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، عن خطة طموحة لتأمين التغذية الكهربائية لصيف 2025، والتي تشمل إضافة من 3 إلى 4 آلاف ميغاواط جديدة على الشبكة الوطنية بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار. هذه الخطوة تأتي بالتعاون مع وزارة البترول والثروة المعدنية في إطار جهود الحكومة لضمان استمرارية توفير الكهرباء في مواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة خلال السنوات القادمة.
تستهدف الخطة تعزيز قدرة الشبكة الكهربائية وتفادي أي عجز محتمل في الطاقة، وهو ما يعني تجنب اللجوء إلى تخفيف الأحمال خلال أوقات الذروة في الصيف، التي تشهد عادة ارتفاعًا كبيرًا في استهلاك الكهرباء. في هذا السياق، أكد مدبولي على أهمية زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة من خلال مشروعات يتم تنفيذها حاليًا مع القطاع الخاص، بحيث يتم تشغيل هذه المشروعات بحلول صيف 2025. وتهدف الحكومة إلى تقليل الاعتماد على استيراد المواد البترولية، وهو ما سيقلل من تكلفة توليد الكهرباء ويضمن استدامة الإمدادات.
الطاقة المتجددة
تتجه مصر بشكل متزايد إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لسد احتياجاتها من الكهرباء. ويعد هذا التحول جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق استدامة في توفير الطاقة وتقليل البصمة الكربونية للقطاع. في هذا السياق، أشار وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، إلى أن الوزارة تعمل على إضافة طاقات متجددة تصل إلى 4 جيغاواط قبل صيف 2025، منها 1.5 جيغاواط ستكون جاهزة بحلول مارس المقبل.
وأشار عصمت إلى أن هذه الجهود تتضمن إضافة طاقات شمسية ورياح جديدة، حيث يتم التعاون مع شركات خاصة لتنفيذ مشروعات طاقة شمسية في مناطق مثل بنبان في أسوان، والتي تعتبر واحدة من أكبر المشروعات للطاقة الشمسية في العالم. وتشمل الخطة أيضًا تطوير محطات طاقة الرياح على ساحل البحر الأحمر.
تحسين البنية
لا تقتصر خطة الحكومة على زيادة الإنتاج فقط، بل تشمل أيضًا تحسين بنية الشبكة الكهربائية لضمان قدرة النظام على نقل وتوزيع الكهرباء بكفاءة. وقد أكدت المهندسة منى رزق، رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، أن الشبكة الكهربائية في مصر قد شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. ففي عام 2014، كانت مصر تواجه تحديات كبيرة في نقل الكهرباء، خصوصًا بعد إضافة 29 جيغاواط جديدة. ومع ذلك، فقد تم التغلب على هذه التحديات من خلال إضافة 23 محطة محولات جديدة حتى عام 2024، ليصل العدد الإجمالي للمحطات إلى نحو 780 محطة متنوعة القدرات.
كما تم تنفيذ مشاريع لربط الشبكة الكهربائية المصرية مع شبكات دول الجوار، مثل الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية. من المتوقع أن يبدأ تشغيل هذا الربط في عام 2025، بقدرة أولية تبلغ 1500 ميغاواط من إجمالي 3000 ميغاواط. هذا الربط سيعزز قدرة مصر على استيراد أو تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة في أوقات الحاجة، مما يعزز استقرار الإمدادات ويسهم في تقليل التكاليف.
التحديات الاقتصادية
رغم هذه التطورات الكبيرة، يواجه قطاع الكهرباء في مصر العديد من التحديات الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بتقلبات أسعار الوقود والغاز الطبيعي. وفي هذا الصدد، أكد المسؤولون الحكوميون أن الحكومة لن تقوم برفع أسعار الكهرباء حتى يوليو 2025 على الرغم من الزيادة في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه. هذا القرار يعكس محاولات الحكومة لتخفيف الأعباء على المواطنين في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري تحديات اقتصادية كبيرة.
وكانت الحكومة قد رفعت أسعار الكهرباء في أغسطس 2023، لكنها أكدت أن هذا الرفع كان موجهًا إلى قطاع البترول. كما أوضح المسؤولون أنه من المزمع أن تواصل الحكومة تعديل أسعار الكهرباء في يوليو 2025 بالتوازي مع التغيرات الاقتصادية العالمية.
الربط مع الجوار
تولي مصر أهمية كبيرة للربط الكهربائي مع الدول المجاورة لتعزيز استقرار الإمدادات الكهربائية وتوفير الطاقة للدول الأخرى. وقد أكدت الحكومة المصرية أنها بصدد تعزيز الربط مع دول مثل الأردن وسوريا والسعودية. وفي هذا السياق، تدرس الحكومة تصدير الكهرباء إلى سوريا عبر الأردن، لكن ذلك رهن باستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في دمشق.
إلى جانب ذلك، أبرمت الحكومة المصرية اتفاقًا مع اليونان لإقامة كابل بحري عملاق عبر البحر المتوسط يربط بين البلدين. هذه المشروعات تتيح لمصر فرصة تصدير الكهرباء إلى الأسواق الأوروبية والعربية، مما يعزز من دورها كمورد رئيسي للطاقة في المنطقة.
التوجهات المستقبلية
يستمر قطاع الكهرباء في مصر في تطور مستمر، حيث يعمل على تطوير استراتيجيات طويلة الأجل تهدف إلى تحسين القدرة الإنتاجية والنقل والتوزيع. في هذا الإطار، أكد وزير الكهرباء أن الوزارة انتهت من إعداد استراتيجية شاملة للطاقة تهدف إلى إحداث طفرة في قطاع الطاقة بحلول 2025، مع التركيز على استغلال الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
تتعاون الحكومة أيضًا مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي لتوفير الاستثمارات اللازمة لقطاع الكهرباء، حيث يشهد القطاع تعاونًا مستمرًا مع القطاع الخاص لتطوير هذه الطاقات وتحقيق الاستدامة في توفير الكهرباء على المدى الطويل. وفقًا لهذه الاستراتيجيات، فإن قطاع الكهرباء في مصر يسعى إلى تحقيق التوازن بين احتياجات المواطنين وتحقيق النمو المستدام للقطاع.
اختصارًا، يواجه قطاع الكهرباء في مصر تحديات كبيرة، لكنه يسير بخطوات ثابتة نحو تحسين قدرة الشبكة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. من خلال مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتعزيز الربط الكهربائي مع الدول المجاورة، تسعى مصر لضمان استدامة الإمدادات الكهربائية والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. ورغم التحديات الاقتصادية العالمية، تواصل الحكومة تنفيذ خطط استراتيجية لضمان توفير الكهرباء للمواطنين وتحقيق الاستقرار في القطاع على المدى الطويل.