قالت رانيا جول، محللة أسواق المال العالمية، إن أسواق المال العربية تعيش في الوقت الراهن حالة من التباين الواضح في الأداء، وذلك نتيجة تفاعلها مع مجموعة من العوامل المتداخلة، تشمل التطورات الجيوسياسية، والتحولات في أسعار الطاقة، والتوجهات العالمية لأسواق المال، بالإضافة إلى السياسات النقدية الأميركية، التي تواصل تأثيرها القوي على تدفقات السيولة ومعدلات المخاطرة في المنطقة.
السوق المصري: عودة تدريجية للثقة… ولكن بشروط
و أضافت جول في تصريح خاص لـ البورصجية ، أنه لا شك أن السوق المصري عاد ليحظى باهتمام المستثمرين في الفترة الأخيرة، خاصة بعد حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق برنامج الطروحات الحكومية الذي بدأ يعطي إشارات إيجابية فيما يخص جذب الاستثمارات الأجنبية.
ورغم استمرار بعض التحديات المرتبطة بالتضخم وسعر الصرف، فإني أرى تحسن آفاق قطاع السياحة، وارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، واهتمام دول الخليج بدعم الاقتصاد المصري، كلها عوامل تُبقي على جاذبية السوق على المدى المتوسط.
ورأت أنه يوجد أداء إيجابياً لعدد من الأسهم القيادية، خاصة في قطاعات البنوك والخدمات المالية والصناعات الغذائية. ولكن ما زال المستثمر ينتظر المزيد من الاستقرار النقدي وتحرير سعر الصرف بشكل أكثر مرونة لضمان استدامة التدفقات الاستثمارية”.
السوق السعودي: تراجع تصحيحي… لا يدعو للذعر
و أكدت ، أن السوق السعودي، رغم الانخفاض الأخير الذي شهده مؤشر “تاسي”، يظل أحد أكثر الأسواق نضجاً في المنطقة. هذا التراجع في نظري هو تصحيحي وطبيعي بعد سلسلة ارتفاعات قوية شهدها المؤشر خلال العام الماضي مدعوماً بتوقعات اقتصادية متفائلة وأسعار نفط مستقرة.
ما يحدث الآن برأيي هو إعادة تموضع من قبل المؤسسات الاستثمارية، نتيجة التذبذب في أسعار النفط وارتفاع العوائد على أدوات الدين العالمية. كما أن بعض التقييمات وصلت لمستويات مرتفعة جعلت المستثمرين يعيدون النظر في مراكزهم.
لكن لا يمكنني إغفال متانة الأساسيات، خاصة في قطاعات مثل البنوك والطاقة والبتروكيماويات، التي لا تزال تحظى بزخم قوي مدعوم بخطط رؤية 2030، خاصة مع استمرار برامج التحول الرقمي وتوسع صندوق الاستثمارات العامة في دعم الشركات المدرجة وغير المدرجة”.
سوق دبي المالي: أداء قوي يقوده القطاع العقاري والمصرفي
قالت جول ، إن سوق دبي المالي يواصل أداءه القوي في الفترة الأخيرة، مدعوماً بانتعاش القطاع العقاري الذي يشهد إقبالاً كبيراً من المستثمرين الدوليين، خاصة من آسيا وروسيا. كما يُعزز القطاع المصرفي هذا الأداء من خلال نتائج مالية قوية ونمو في القروض مع انخفاض نسبي في نسب التعثر.
وتابعت: “البيئة الاقتصادية في دبي من وجهة نظري تبدو جاذبة، بفضل سياسة التنويع والانفتاح الاقتصادي، بالإضافة إلى تزايد الإقبال على الإقامة الذهبية، ما يحفز الطلب على الأصول. من جهة أخرى، فإن إدراج شركات حكومية وشبه حكومية كبرى في السوق عزز من مستويات السيولة والثقة”.
وأضافت: “وبرأيي شخصياً، التحدي القادم يكمن في الحفاظ على استدامة هذا الزخم، خصوصاً إذا شهدت أسعار الفائدة العالمية مزيداً من الارتفاعات”.
سوق أبوظبي المالي: استقرار ونمو مدفوع بالقطاعات السيادية
أوضحت ، أن أداء سوق أبوظبي طبعاً يتميز بالاستقرار والنمو التدريجي، بفضل دعم من القطاعات السيادية، وعلى رأسها الطاقة والمرافق والخدمات المالية. شركات مثل “أدنوك” بمختلف فروعها، و”بروج”، و”الدار العقارية”، تُعد من أبرز المحركات في السوق.
وهنا نرى جميعاً اتجاهاً متزايداً نحو تعزيز الإدراجات الجديدة وفتح السوق أكثر أمام المستثمر الأجنبي، خاصة مع تصاعد دور “القابضة ADQ” وصندوق أبوظبي السيادي في دعم التحول الاقتصادي.
برأيي، قطاع التكنولوجيا أيضاً بدأ يشهد اهتماماً متزايداً، مع تحركات استثمارية نوعية في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. لكن تبقى مستويات السيولة هي التحدي الأكبر، مقارنة بدبي، في ظل محدودية التداولات اليومية على بعض الأسهم القيادية”.
واختتمت جول حديثها قائلة: “أسواق المال العربية تعكس حالياً مزيجاً من التحديات والفرص. بينما تتأثر بالضغوط العالمية، فإنها تستفيد من الزخم المحلي في برامج الإصلاح والتحول الاقتصادي.
السوق المصري يظهر إشارات تعافي مشروطة باستقرار السياسة النقدية،
السعودي يشهد تصحيحاً طبيعياً بعد موجة صعود طويلة،
دبي يواصل التألق مدعوماً بالعقار والمصارف،
أبوظبي يسير بخطى ثابتة تقودها الشركات الكبرى.
ومن وجهة نظري، فإن التباين الحالي يخلق فرصاً انتقائية جيدة للمستثمر متوسط وطويل الأجل، شريطة التركيز على الشركات ذات الأسس المالية القوية والقطاعات المرتبطة برؤية النمو الاقتصادي لكل دولة”.
