
استيقظت محافظة المنوفية على حادث مفجع أودى بحياة 19 مواطنًا، معظمهم من الفتيات العاملات، في صباح يوم هادئ تحول إلى كابوس، إثر تصادم مروع بين سيارة ميكروباص وشاحنة نقل ثقيل على الطريق الإقليمي قرب مركز أشمون. هذه الحوادث، وإن لم تعد مفاجئة على هذا الطريق، فإنها تثير من جديد تساؤلات ملحة حول مدى توفر عوامل الأمان في واحد من أهم المحاور المرورية الحيوية في مصر.
الطريق الإقليمي الذي جرى افتتاحه ضمن خطة شاملة لتوسيع شبكة الطرق القومية، كان يُفترض أن يكون أحد الأعمدة الرئيسية في تسهيل حركة النقل وتخفيف الضغط عن المحاور القديمة، إلا أن الواقع اليوم يطرح علامات استفهام حول مدى جاهزيته للقيام بهذا الدور الحيوي. فمع كل حادث دموي جديد، تتجدد المخاوف بشأن كفاءة البنية التحتية لهذا الطريق ودرجة الرقابة المرورية عليه.
الحادث الأخير في أشمون ليس الأول من نوعه، فقد شهد الطريق على مدار الأعوام الماضية عددًا من الحوادث المشابهة، معظمها في نفس النطاق الجغرافي. فهل يعقل أن تتكرر المآسي في المواقع ذاتها دون تدخل هندسي شامل؟ وأين تكمن مسؤولية الجهات المعنية في رصد هذه المناطق عالية الخطورة ومعالجتها؟
في هذا السياق، تقدم النائب كريم طلعت السادات ببيان عاجل إلى رئيس الوزراء ووزير النقل، مشيرًا إلى ما وصفه بـ”القصور المزمن” في هذا الممر الحيوي، ومطالبًا بتشكيل لجنة هندسية لفحص وتقييم الطريق، خاصة في القطاع الرابط بين السادات وأشمون والطريق الصحراوي. كما أشار إلى غياب أبسط معايير السلامة على الطريق، من إنارة وإشارات وتحذيرات مرورية، إضافة إلى وجود حفر وتشققات وسماح بمرور سيارات نقل ثقيل متهالكة تمثل تهديدًا دائمًا لمستخدمي الطريق.
ورغم سرعة استجابة وزارة العمل، التي أعلنت عن صرف تعويضات عاجلة لأسر الضحايا بلغت 200 ألف جنيه للمتوفى و20 ألفًا للمصاب، إلا أن كثيرين يتساءلون: هل تظل الحوادث تُقابل بالتعويضات فقط؟ أم أن هناك حاجة ماسة إلى إجراءات وقائية حقيقية؟ وهل تفي التعويضات وحدها بالغرض إذا استمر غياب الضمانات التي تحمي الأرواح من التكرار المرير لمثل هذه الكوارث؟
إن الطريق الإقليمي بطوله الذي يتجاوز 400 كيلومتر، يربط بين عدد من المحافظات ويخدم آلاف المركبات يوميًا، ما يجعله محوريًا في شبكة النقل القومية. ومع هذه الأهمية، يتساءل المواطنون والبرلمانيون على حد سواء: هل تتناسب إجراءات السلامة المطبقة على الطريق مع حجمه وكثافته المرورية؟ وهل يتم تحديث خطة الصيانة الدورية بما يتوافق مع نسب الاستخدام المرتفعة؟
الواقع يشير إلى أن عدّاد الضحايا لا يتوقف، مما يتطلب النظر إلى هذه الحوادث ليس باعتبارها وقائع فردية أو “أخطاء بشرية”، بل كظواهر تستحق دراسة شاملة من جميع الجوانب الهندسية والإدارية والتشريعية. وقد يكون من المناسب في هذه المرحلة التفكير في إنشاء وحدة مركزية لرصد الطرق الخطرة وتحديث معايير السلامة فيها، بشكل يواكب حركة التوسع السريع في البنية التحتية.
تبقى الحوادث المفجعة على الطريق الإقليمي جرس إنذار متكرر لا يمكن تجاهله، وصرخة في وجه الغفلة التي قد يدفع ثمنها أبرياء كل يوم. فهل آن الأوان لتحويل هذا الطريق من “شبح للموت” إلى نموذج يُحتذى به في الأمان المروري؟ أم سنبقى ننتظر الحادث التالي لنتحرك؟