مصر

توطين السيارات الكهربائية.. رهان مصر الاستراتيجي للخروج من نفق الاستيراد

يراهن خبراء مراقبون للقطاع الصناعي والاقتصادي على سياسة الحكومة في مشروع توطين صناعة السيارات الكهربائية في تعزيز الاقتصاد الوطني، باعتباره حجر زاوية في رؤية مصر الاقتصادية المستقبلية، فهو لا يحل فقط مشكلة آنية تتمثل في الضغط على موارد النقد الأجنبي، بل يبني أساساً متيناً لاقتصاد صناعي حديث ومستدام.

وتهدف الحكومة إلى إعادة تشكيل مستقبل صناعة النقل وتوطين صناعة السيارات الكهربائية، معلنةً عن استعدادها لتقديم حزمة من الحوافز “خارج الصندوق” لجذب كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، وذلك في إطار رؤية أوسع لدعم الاقتصاد الوطني وتوفير العملة الصعبة والانتقال بقوة نحو الاقتصاد الأخضر.

وتأتي هذه التحركات في توقيت دقيق، حيث تسعى الدولة لتعميق المكون المحلي في الصناعات الاستراتيجية وتقليل فاتورة الاستيراد التي تشكل ضغطاً على الميزان التجاري.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية اجتماعات رفيعة المستوى برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تم خلالها التأكيد على أن ملف توطين صناعة السيارات الكهربائية يقع على رأس أولويات الحكومة، مع تكليفات واضحة بإعداد تصور متكامل لجذب ما بين شركتين إلى ثلاث من كبريات الشركات العالمية.

ولم تعد الحوافز المطروحة تقتصر على الإعفاءات الجمركية أو الضريبية التقليدية، فبحسب التصريحات الرسمية، تتجه الحكومة نحو تقديم حوافز استثنائية وغير مسبوقة، تشمل دعماً مالياً مباشراً قد يصل إلى 50 ألف جنيه لأول 100 ألف سيارة يتم تصنيعها محلياً، بالإضافة إلى برامج تمويل ميسرة لشراء سيارات الأجرة والسيارات الخاصة الكهربائية.

كما تركز الخطة على جذب الاستثمارات في الصناعات المغذية، وعلى رأسها بطاريات السيارات التي تمثل نحو 50% من تكلفة المركبة، وهو ما سيؤدي إلى خفض كبير في التكلفة النهائية وزيادة القدرة التنافسية للمنتج المصري.

ويعتبر الخبراء، أن دعم الاقتصاد الوطني من خلال توطين صناعة السيارات الكهربائية يتجاوز مجرد توفير العملة الصعبة التي كانت تنفق على استيراد السيارات الجاهزة، ليمتد إلى أبعاد أعمق وأكثر استدامة، منها خلق قاعدة تصديرية جديدة، ونجاحها في بناء صناعة سيارات كهربائية تنافسية سيمكنها من التحول إلى مركز إقليمي للتصدير إلى الأسواق الأفريقية والشرق أوسطية، مستفيدة من الاتفاقيات التجارية الحرة التي تعد طرفاً فيها، هذا يعني تدفقاً مستمراً للعملة الصعبة بدلاً من خروجها.

واعتبر المراقبون، أن تنمية قطاع الصناعات المغذية سيعطي المشروع دفعة قوية لعشرات المصانع القائمة والمستقبلية المتخصصة في إنتاج المكونات المختلفة للسيارة، من الزجاج والكابلات والمقاعد، وصولاً إلى المكونات الأكثر تعقيداً مثل هياكل السيارات والبطاريات، مما يعني آلافاً من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

تتطلب هذه الصناعة المتقدمة تعاوناً وثيقاً مع المراكز البحثية والجامعات لتطوير التقنيات وتأهيل المهندسين والفنيين، مما يرفع من مستوى الابتكار في البلاد ويخلق اقتصاداً قائماً على المعرفة، وفقا للمراقبين.

وأكد الخبير الاقتصادي، المهندس جمال عسكر، أن توطين هذه الصناعة لا يمثل فقط قاطرة للتنمية وتوفير فرص العمل، بل هو صمام أمان لتوفير العملة الصعبة التي تستنزفها عمليات استيراد السيارات ومكوناتها.

وأضاف عسكر، في تصريحات خاصة للبورصجية، أن مصر تمتلك بالفعل بنية تحتية في الصناعات المغذية مثل الضفائر الكهربائية والزجاج والمقاعد، مما يمنحها ميزة تنافسية إضافية.
فيما يرى الدكتور حسين سليمان، الخبير في شؤون صناعة السيارات وعضو رابطة مصنعي السيارات، أن التوجه الحكومي الحالي نحو توطين صناعة السيارات الكهربائية هو “ضرورة استراتيجية قصوى وليس مجرد رفاهية أو مواكبة للتوجهات العالمية”.

وشدد سليمان، في تصريحات خاصة للبورصجية، على ضرورة النظر إلى هذه الصناعة باعتبارها منظومة متكاملة تخلق قيمة مضافة هائلة للاقتصاد، والأمر لا يقتصر على تجميع السيارة النهائية، بل يمتد ليشمل تأسيس صناعات مغذية عالية التقنية، مثل أنظمة إدارة البطاريات، والمحركات الكهربائية، والإلكترونيات المتقدمة. هذا يخلق شبكة من الترابط الصناعي ترفع من الكفاءة والخبرة الفنية للعمالة المصرية وتفتح الباب أمامهم للعمل في أسواق عالمية.”

وأشار إلى نقطة جوهرية وهي أن “السيطرة على هذه الصناعة محلياً تعني امتلاك القرار التكنولوجي وتخفيض تكاليف الصيانة وقطع الغيار على المدى الطويل، مما ينعكس إيجاباً على المستهلك ويدعم استقرار السوق بعيداً عن تقلبات أسعار الصرف وتكاليف الشحن الدولي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *