
يشتد التوتر في الشرق الأوسط إلى مستويات مسبوقة، مع إعلان الحرس الثوري الإيراني عن “الموجة العاشرة” من هجماته الصاروخية والمسيرة على إسرائيل، بالتزامن مع إعلان اعتقال “عميل للموساد” في إيران، وإسقاط مقاتلة معادية، هذه التطورات تأتي في ظل تصعيد خطير للتهديدات المتبادلة، حيث تلوح واشنطن باحتمالية استهداف المنشآت النووية الإيرانية، مما ينذر بصراع واسع النطاق تتداخل فيه التحركات الدبلوماسية والتشريعية في محاولة لاحتواء الموقف المتأزم.
الموجة العاشرة من صواريخ “الوعد الصادق 3”:
أعلن الحرس الثوري الإيراني مساء اليوم الثلاثاء عن بدء “الموجة العاشرة” من الهجمات ضد أهداف في إسرائيل، هذه الهجمات تأتي ضمن عملية “الوعد الصادق 3″، التي انطلقت قبل خمسة أيام، ووفقًا لوكالة “تسنيم للأنباء” الإيرانية، بدأت موجة جديدة من الهجمات أمس اليوم بطائرات مسيرة وصواريخ أطلقتها القوات الجوية التابعة للحرس الثوري ضد أهداف في “عمق الكيان الإسرائيلي”.
وأفادت “تسنيم” بأن الحرس الثوري أطلق في هذه الموجة “عددًا كبيرًا من الصواريخ الباليستية على أهداف استراتيجية” في إسرائيل، مؤكدة أن هذه الهجمات استهدفت مناطق “مهمة” في تل أبيب وحيفا ومناطق أخرى.
اعتقال “عميل للموساد” وإسقاط 28 طائرة معادية:
في تطور أمني لافت، أعلن الحرس الثوري الإيراني اليوم الثلاثاء عن اعتقال “عميل” يعمل لصالح إسرائيل في محافظة إيلام غرب إيران، جاء هذا الإعلان من مكتب العلاقات العامة لفيلق “أمير المؤمنين” التابع للحرس الثوري في المحافظة، ونقلًا عن “وكالة أنباء فارس” الإيرانية، جاء في بيان صادر عن “الفيلق” أن الاعتقال تم بفضل “الجهود والرصد المستمر والإجراءات التقنية والاستخباراتية” التي اتخذها جهاز الاستخبارات التابع للفيلق في “إيلام”، وأضاف البيان أنه تم القبض على العميل الذي يعمل في “أحد المراكز الحساسة” بالمحافظة بتهمة “الارتباط بعملاء الكيان الصهيوني”، وتم تسليمه إلى السلطات القضائية.
وبالتوازي مع ذلك، أعلنت إيران أن شبكة الدفاع الجوي تمكنت خلال الليلة الماضية من تحديد واعتراض وإسقاط 28 نوعًا من “الطائرات المعادية”، وذكرت “وكالة مهر للأنباء” الإيرانية أن “الدفاع الجوي في إيران”، باستخدام مجموعة متنوعة من الأنظمة شملت الرادار والمراقبة والإلكترونيات والصواريخ والمدفعية، بالإضافة إلى أنظمة التنصت والاستطلاع والاعتراض، تمكنوا من ضرب وإسقاط هذه الطائرات، ووفقًا لقوات الدفاع الجوي، تم تحديد طائرة التجسس “هيرميس” الإسرائيلية، والتي كانت تحاول التجسس على “أماكن حساسة”، وتم اعتراضها وإسقاطها.
وفي سياق متصل، أعلنت “وكالة مهر” أمس اليوم أن الدفاعات الجوية استهدفت مقاتلة إسرائيلية معادية في محافظة “جهارمحال وبختياري”، الواقعة جنوب غرب البلاد، وتأتي هذه العملية في ظل حالة من التأهب القصوى وتبادل الضربات بين طهران وتل أبيب، وأضافت الوكالة أن البحث جارٍ عن طيار الطائرة المستهدفة.
تهديدات متبادلة واحتمالية ضرب “فوردو” النووية:
تتصاعد حدة التهديدات بين إيران وإسرائيل بشكل خطير، وقال رئيس هيئة الأركان الإيرانية إن “عملياتنا السابقة ضد العدو كانت ردعية وسننفذ عملياتنا العقابية ضده قريبًا”، وأضاف أن “الكيان الصهيوني أقدم على خطوة عدوانية بمهاجمة شعبنا والنساء والأطفال”، وواصل “انتهاك القانون الدولي وهاجم تلفزيون إيران لحجب الحقيقة”، وفي تحذير مباشر، دعا رئيس هيئة الأركان الإيرانية “سكان الكيان الإسرائيلي خاصة في تل أبيب وحيفا لمغادرتها للحفاظ على أرواحهم”، وأفادت “وكالة فارس”، “الإيرانية”، بأن “العملية الصاروخية الأخيرة استهدفت القواعد الجوية للكيان التي تنطلق منها مقاتلاته”.
وعلى الجانب الآخر، تبرز تقارير من واشنطن وتل أبيب تشير إلى احتمالية توسع نطاق الصراع ليشمل المنشآت النووية الإيرانية، وفقًا لما نقلته “أكسيوس” عن مسؤولين أمريكيين، فإن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” “يفكر جديًا بالانضمام للحرب وشن ضربة ضد منشآت إيران النووية، خاصة منشأة “فوردو”، وتتطابق هذه المخاوف مع ما ذكرته “أكسيوس” عن مسؤولين إسرائيليين، يفيدون بأن رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” ومؤسسته العسكرية “يعتقدان أن “ترامب” قد يدخل الحرب قريبًا لقصف منشأة “فوردو”.
وفيما يتعلق بالقدرات العسكرية الإسرائيلية، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين بجيش الاحتلال الإسرائيلي تأكيدهم “بالإمكان إكمال الهجوم على كل الأهداف المخطط لها للحرب في إيران خلال أسبوع”، ومع ذلك، أشار المسؤولون ذاتهم إلى أن إسرائيل “لا ترغب في الانجرار إلى حرب طويلة الأمد في إيران”، وتعكس هذه التطورات حالة شديدة من التوتر والترقب في المنطقة، مع احتمالات متزايدة لتصعيد واسع النطاق.
تحذيرات دبلوماسية وتحركات أمريكية ومخاوف من “صراع كارثي”:
حذر الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان” اليوم، من أن استمرار “جرائم الكيان الصهيوني بدعم من القوى الكبرى” سيؤدي إلى انتشار حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في المنطقة، ووفقًا لوكالة “إرنا” الإيرانية، قال “بزشكيان” إن “الكيان الصهيوني حاول منذ اليوم الأول، عرقلة مسار حركتنا وتعطيلها”، وأضاف الرئيس الإيراني، “بينما طهران تسعى للحل والتفاهم عبر الحوار والمفاوضات، قام الكيان الصهيوني مرة أخرى، بعدوان واسع النطاق وقتل المدنيين الأبرياء وهاجم المواقع غير المدنية”.
وعلى الصعيد الأمريكي، قدم اثنان من أعضاء الكونجرس الأمريكي، اليوم الثلاثاء، مشروع قرار يهدف إلى منع التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، ونقلًا عن شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، قال النائب “توماس ماسي”، الجمهوري عن ولاية كنتاكي، عبر حسابه على منصة “أكس”: “هذه ليست حربنا، حتى لو كانت كذلك، فعلى الكونغرس أن يقرر مثل هذه الأمور وفقًا لدستورنا”، وجاء في القرار أن الدستور الأمريكي يمنح الكونغرس السلطة الوحيدة لإعلان الحرب، من جانبه، ذكر النائب “رو خانا”، الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، الذي شارك في تقديم القرار، أن الشعب الأمريكي لا يرغب في “الانجرار إلى صراع كارثي آخر في الشرق الأوسط”.
وكان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قد صعد من لهجته التصعيدية ضد إيران، معلنًا أن الولايات المتحدة باتت تتمتع بـ”سيطرة كاملة وشاملة” على سماء إيران، وتزامنت تصريحات “ترامب” مع تقارير عن تعزيزات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.
وفي سياق هذه التطورات، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن إنشاء قوة مهام خاصة بالشرق الأوسط، تهدف إلى تقديم الدعم للأمريكيين في المنطقة الذين يواجهون أوضاعًا أمنية خطيرة، وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، “تامي بروس”، اليوم الثلاثاء، أن الوزارة “أنشأت فرقة عمل خاصة بالشرق الأوسط للمساعدة في تنسيق الدعم المقدم للمواطنين الأمريكيين، وبعثاتنا الدبلوماسية الأمريكية، وموظفينا الدبلوماسيين، وتواصلنا الدبلوماسي، وتعمل فرقة العمل على مدار الساعة”.
وأشارت “بروس” إلى أن الوزارة أصدرت أكثر من 30 تنبيهًا أمنيًا للأمريكيين في الشرق الأوسط خلال الأيام الأخيرة، وأكدت على ضرورة التزام المواطنين الأمريكيين بتعليمات السفر، قائلة: “نذكّر المواطنين الأميركيين بعدم السفر إلى إسرائيل أو العراق، وعدم السفر إلى إيران تحت أي ظرف من الظروف”، ووفقًا لشبكة “أي بي سي نيوز” الأمريكية، يشير أحدث تنبيه أمني صادر عن البعثة الأمريكية لدى إسرائيل إلى أن السفارة هناك “ليست في وضع يسمح لها في الوقت الحالي بإجلاء الأميركيين أو مساعدتهم بشكل مباشر في مغادرة إسرائيل”.
في ظل هذا التصعيد غير المسبوق للعمليات العسكرية والتهديدات، مع تزايد المخاوف من اتساع نطاق الصراع ليشمل المنشآت النووية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الجهود الدبلوماسية والتشريعية في نزع فتيل الأزمة ومنع المنطقة من الانزلاق إلى حرب شاملة ذات عواقب وخيمة؟