
بعد أكثر من ثلاثة أعوام على اندلاعها، باتت الحرب في أوكرانيا ثِقلاً سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا يضغط على جميع الأطراف، ورغم الخطط المتعاقبة التي تُطرح باسم السلام، فإن الواقع على الأرض كما ترسمه “الصحف الأوروبية والدولية”، يضيف طبقات جديدة من التعقيد، ويفسّر في الوقت نفسه سبب اندفاع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا نحو طاولة التفاوض.
ووفق ما كتبته صحيفة “تاغس أنتسايجر” السويسرية، فإن الخطة الأمريكية ذات الـ28 بندًا، التي حرّكها مبعوث واشنطن “ستيف ويتكوف” بالتنسيق مع المفاوض الروسي “كيريل ديميترييف”، أثارت ارتباكًا واسعًا في أوروبا قبل أن يتضح أنها تفتقر إلى الأسس العملية اللازمة لإطلاق مفاوضات جدية، وترى “الصحيفة” أن بنود الخطة بدت بنسبة كبيرة تصورات أولية تتحدث عن ترتيبات أمنية واقتصادية ورقابية من دون تفاصيل تحدد كيفية التطبيق أو آليات الضمان.
أما صحيفة “إيكونوميا أونلاين” الرقمية البرتغالية، فتنقل عن مصادر أوروبية أنّ الحديث عن سلام عادل لا يمكن أن يتحقق من دون انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية وتعويضات ومساءلة قانونية، وتوضح “المنصة” أن القناعة السائدة في معظم العواصم الأوروبية هي أن أي صيغة تتجاهل الأسس القانونية للصراع لن تكون إلا تجميدًا مؤقتًا للنزاع، وليس حلًا حقيقيًا، الأمر الذي يجعل الخطة الأمريكية بنصّها المتداول بعيدة عن الحد الأدنى المقبول أوروبيًا.
وفي ضوء هذه الأجواء، تشير صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى جدل داخل الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان ينبغي للقارة الدخول في مفاوضات مباشرة مع موسكو، موازية أو مستقلة عن المسار الأمريكي الروسي، وتكشف “الصحيفة” أن بعض الدول الأوروبية تخشى أن تؤدي هذه المحاولة إلى إضعاف الموقف الغربي الموحد، بينما ترى دول أخرى أن بقاء أوروبا خارج أي مفاوضات جوهرية سيعرّض مصالحها للخطر ويجعل مستقبل الأمن الأوروبي رهينة لتفاهمات لا تشارك في صياغتها.
وتنقل صحيفة “نافتيمبوريكي” اليونانية، موقف كييف الذي يرفض أي تفاوض يتجاوز الحكومة الأوكرانية أو يستند إلى مبدأ الاعتراف بالأمر الواقع، وتوضح “الصحيفة” أن القيادة الأوكرانية اعتبرت، في اتصالاتها مع الأوروبيين، أن أي اتفاق يمنح روسيا امتيازات سياسية أو ميدانية مقابل وقف العمليات العسكرية سيُنظر إليه داخليًا على أنه تنازل يهدد سيادة الدولة ويقوّض الثقة في الشركاء الغربيين. واكدت أن كييف ماضية في موقفها القائم على استعادة الحدود المعترف بها دوليًا، وأنها شددت لشركائها على أنها لن تقبل أي صيغة تُبقي الأراضي المحتلة تحت السيطرة الروسية، وترى “الصحيفة” أن القيادة الأوكرانية قد تفضل استمرار الحرب على قبول اتفاق يشكّل تجميدًا للصراع، الذي تعتبره أخطر على المدى البعيد من استمرار المواجهة العسكرية.
وتعود “تاغس أنتسايجر” السويسرية، لتربط بين دفع واشنطن باتجاه اختبار الموقف الروسي وبين رغبتها في تقييم حدود ما يمكن أن تقدمه موسكو سياسيًا دون الدخول في صدامات مباشرة مع شركائها الأوروبيين أو مع كييف، وتذكر “الصحيفة” أن جزءًا من الغموض الأمريكي مرتبط بمحاولة إدارة “بايدن” السابقة موازنة الضغط الداخلي من جهة، ورغبتها في عدم ترك الملف كاملًا في يد موسكو من جهة أخرى.
واستنادًا إلى تقرير لـ”المعهد الأسترالي للشؤون الدولية”، فإن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ألحق بأوروبا خسائر اقتصادية واستراتيجية ملموسة، واضطرت أوروبا لتقديم دعم هائل لأوكرانيا، متجاوزة الولايات المتحدة كأكبر مانح، ويرى “المعهد” أن في حال استمرت الحرب على المدى الطويل، قد تحتاج أوكرانيا إلى نحو 400 مليار يورو حتى عام 2030.
وقال المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد والإنتاجية “فالديس دومبروفسكس” إن الحرب الروسية على أوكرانيا تسببت في عجز ميزانية أوكرانيا البالغ 135 مليار يورو، مما يضع الاتحاد الأوروبي أمام تحديات مالية ضخمة تتطلب حلولاً عاجلة، وفي مقابلة قناة “يورونيوز”، أشار “دومبروفسكس” إلى أن القرض التعويضي المضمون بالأصول الروسية المجمدة في أوروبا يعد الحل الأكثر فاعلية لدعم أوكرانيا، موضحاً أنه يمكن أن يقدم دعمًا كبيرًا دون تحميل الدول الأعضاء أعباء مالية إضافية.
وأكد تقرير البعثة الدائمة لروسيا لدى الاتحاد الأوروبي، والذي نقلته صحيفة “إزفيستيا” الروسية، أن العقوبات الأوروبية لم تؤثر على الاقتصاد الروسي أو الوضع على الأرض في أوكرانيا، لكنها أدت عمليًا إلى قطع جميع الروابط التجارية بين أوروبا وروسيا، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول الاتحاد خلال النصف الأول من عام 2025 بنسبة 8.3%، من 33.7 مليار يورو إلى 30.9 مليار يورو، الأمر الذي يعكس الخسائر الاقتصادية المباشرة لأوروبا نتيجة استمرار الحرب.





