
في رقم قياسي يعكس صمود الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي، كشف البنك المركزي المصري عن وصول صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي إلى 50.071 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2025، مقارنة بـ49.534 مليار دولار في نهاية سبتمبر، بزيادة قدرها نحو 537 مليون دولار خلال شهر واحد فقط، الرقم التاريخي ليس مجرد رقم، بل شهادة على قوة الاقتصاد واستعادة ثقة المستثمرين في السوق المحلي.
رحلة الصعود منذ بداية 2025
تُظهر بيانات البنك المركزي استمرار الاتجاه التصاعدي للاحتياطي النقدي خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، فقد بدأ الاحتياطي العام عند 47.265 مليار دولار في يناير، وواصل ارتفاعه تدريجيًا ليصل إلى مستوى الـ50 مليار دولار في أكتوبر، أي بزيادة إجمالية تقارب 2.8 مليار دولار خلال عشرة أشهر، ويعود ذلك إلى تحسن موارد الدولة من العملات الأجنبية، تزايد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، استقرار سوق الصرف، وارتفاع حصيلة الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج.
وقال أحمد شوقي، الخبير المصرفي، في تصريح خاص لـ البورصجية، يعكس استمرارية ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي منذ أغسطس 2022 لتجاوز سقف 50 مليار دولار في أكتوبر 2025 ولفترة تتجاوز ثلاث سنوات قدرة الاقتصاد المصري على الاستدامة في تنويع موارده، ومواجهة التحديات والتوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وتابع شوقي، كما يظهر ارتفاع الاحتياطي استقرار السياسة النقدية ونجاح برامج الإصلاح الاقتصادي، مع عوامل داعمة تشمل زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بعد اتفاقات كبرى في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، وتحسن إيرادات السياحة وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج.
وأضاف انه من المتوقع انعكاس هذا على خفض المخاطر السيادية، وتحسن التصنيف الائتماني، واستقرار سوق الصرف، وتحقيق مرونة أكبر للبنك المركزي في إدارة السياسة النقدية دون الضغط على الجنيه.”
وقالت شيماء وجيه، الخبيرة الاقتصادية، أن ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى هذا المستوى التاريخي يعكس نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ 2016، وإعادة هيكلة مصادر التمويل ووضع سياسات مالية أكثر انضباطًا واستدامة.
وتابعت ان البنك المركزي تمكن من بناء شبكة أمان قوية لمواجهة الصدمات الخارجية، سواء كانت أزمات جيوسياسية أو اضطرابات في سلاسل الإمداد أو ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا
وأكدت ان الوصول إلى 50 مليار دولار احتياطي يبعث رسالة قوية للمستثمرين الدوليين بأن الاقتصاد المصري يسير على مسار متوازن من حيث إدارة الدين الخارجي وتدفقات النقد الأجنبي.
وأشار خالد نجاتي، نائب رئيس الاتحاد الدولي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الأسبق، إلى أن ارتفاع الاحتياطي النقدي يعزز قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على النمو، ويزيد من ثقة المستثمرين في السوق المصري، ما يفتح الباب لتدفقات استثمارية جديدة ويحفز الاقتصاد الحقيقي، ويقوي أسس الاستدامة المالية للقطاع الخاص.
وقال باهر عبد العزيز، الخبير المصرفي، ان الاحتياطي النقدي القوي يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في إدارة السياسة النقدية، ويعزز قدرته على التدخل في سوق الصرف عند الحاجة دون التأثير على السيولة المحلية. كما يزيد من قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، سواء لسداد الديون أو الواردات الاستراتيجية، ويحد من أي ضغوط تضخمية محتملة.”
وأضاف، ان زيادة أرصدة الذهب ضمن الاحتياطي تشير إلى تنويع الأصول وتقليل المخاطر، إذ يعتمد البنك المركزي على الذهب كأصل آمن يحافظ على القيمة في أوقات الاضطرابات، بجانب العملات الأجنبية الرئيسية.
الذهب واستراتيجية التنويع
وكشفت بيانات البنك المركزي عن ارتفاع أرصدة الذهب المدرجة ضمن الاحتياطي إلى 16.545 مليار دولار بنهاية أكتوبر، مقارنة بـ15.843 مليار دولار في سبتمبر، أي بزيادة قدرها 702 مليون دولار خلال شهر واحد.
وتأتي هذه الزيادة ضمن استراتيجية البنك المركزي لتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية التقليدية وتنويع مكونات الاحتياطي، في ظل تقلبات الدولار واليورو عالميًا.
ويتكون الاحتياطي الأجنبي لمصر من سلة متنوعة من العملات الدولية الرئيسية تشمل الدولار الأمريكي، واليورو، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني، بالإضافة إلى الذهب. ويستخدم الاحتياطي لدعم استقرار سعر الصرف، وتوفير النقد الأجنبي للعمليات التجارية، وسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات المالية.
انعكاسات اقتصادية واستثمارية
ويعكس بلوغ الاحتياطي مستوى 50 مليار دولار قدرة الدولة على تغطية ما يعادل نحو 8 أشهر من الواردات السلعية بالكامل، وهي نسبة تتجاوز المعايير الدولية الموصى بها.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن ارتفاع الاحتياطي ينعكس إيجابيًا على قدرة الاقتصاد على توليد موارد دولارية مستدامة من السياحة والصادرات وتحويلات المصريين وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويحفز التدفقات الاستثمارية الجديدة.
وتشير التوقعات إلى أن البنك المركزي المصري سيواصل سياساته الرامية إلى زيادة الاحتياطي عبر تنويع مصادر الدخل الدولاري، وتوسيع قاعدة التعاملات التجارية بالعملات المحلية مع شركاء مصر الإقليميين مع الحفاظ على التوازن بين استقرار الأسعار وتحفيز النمو الاقتصادي.
والجدير بالذكر ان ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري إلى 50 مليار دولار ليس مجرد رقم قياسي، بل مؤشر واضح على قدرة الاقتصاد المصري على الصمود والاستدامة، وتنويع الموارد، وإدارة السياسات المالية والنقدية بذكاء، ويعكس هذا الإنجاز ثقة المستثمرين الدوليين، ويوفر للبنك المركزي أدوات أكبر لإدارة السياسة النقدية بمرونة، مع تعزيز استقرار الأسعار وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.





