أخر الأخبار الجانبيةتجارة وصناعة

تتحدى توسع التصنيع المحلى.. «مطبات قانونية» فى طريق «نقل البضائع الخطرة»

وسط مساعي الدولة المصرية لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، تزداد الحاجة لنقل مئات الآلاف من الأطنان من المواد الخام والكيماويات والوقود بين مناطق الإنتاج والتخزين والموانئ.

ومع اتساع النشاط الصناعي، برزت قضية الالتزام بقواعد نقل البضائع الخطرة كواحدة من أخطر التحديات التي تواجه استدامة النمو الصناعي وتحقيق معايير السلامة البيئية.

فعلى الرغم من الخطط الحكومية لتشجيع الصناعة، إلا أن منظومة نقل البضائع التي تُصنف ضمن المواد الخطرة ما تزال تعاني من فجوات تشريعية وتنفيذية تزيد من احتمالات وقوع حوادث لها تداعيات جسيمة على الإنسان والبيئة والاقتصاد.

شرعت مصر خلال السنوات الماضية في تأسيس إطار قانوني لتنظيم تداول ونقل المواد الخطرة، حيث جرى إنشاء قاعدة بيانات وطنية تضم نحو 1817 مادة كيميائية تحت إشراف جهات متعددة أبرزها جهاز شئون البيئة والدفاع المدني والجمارك. كما أقرّت الهيئة العامة للنقل النهري مواصفات خاصة للسفن والمنشآت التي تنقل هذه المواد بموجب القانون رقم 167 لسنة 2022.

ورغم هذه الخطوات، ما يزال الالتزام بالتطبيق الكامل محل تساؤلات. فقد كشف كامل النجار، الرئيس الأسبق لمصلحة الجمارك – في تصريحات صحفية -، أن بعض الشركات قد تُدرج شحنات كيماوية تحت تصنيفات عامة لا تعكس خطورتها الحقيقية، ما يعطل دور الجهات الرقابية في فرض الاشتراطات القانونية اللازمة، ويجعل المواد الخطرة تنتقل أحيانًا بطرق لا تضمن أعلى درجات الأمان.

وتؤكد جهات رقابية وخبراء معتمدون لدى شركات دولية مثل «TÜV Rheinland» أهمية الالتزام الصارم بسلسلة الإجراءات العالمية لنقل المواد الخطرة، بدءًا من الفحص الدوري للحاويات وأوعية النقل، وحتى مطابقة المواصفات الفنية لمعايير النقل البري والبحري (ADR وIMDG). ، ومع ذلك، تظل الفجوة قائمة بين النصوص القانونية والواقع الميداني.

رغم عدم رصد حوادث كبرى معلنة في مصر مؤخرًا ترتبط مباشرة بنقل البضائع الخطرة، إلا أن ممارسات خاطئة في دول أخرى أظهرت كيف يمكن لإهمال بسيط أن يتحول إلى كارثة. ولعل أبرز الأمثلة ما وقع في ميناء بيروت عام 2020 حين تسبب تخزين كميات ضخمة من نترات الأمونيوم دون اشتراطات أمان في انفجار كارثي ما يزال صداه حيًا في الأذهان.

وبالنظر إلى تقديرات عالمية صادرة عن وكالة العمل الدولية، فإن معدل حوادث النقل الكيميائي يُقدّر بنحو 0.12 لكل مليون كيلومتر، مع احتمال تسرب للمواد الخطرة يصل إلى 0.027 لكل مليون كيلومتر. ومع توسع شبكات الطرق والموانئ في مصر، فإن أي تهاون في تطبيق إجراءات التصنيف أو التخزين أو النقل يرفع من احتمالية تكرار سيناريوهات مشابهة، وإن بأضرار متفاوتة.

تشير مراجعات أكاديمية مصرية، من بينها دراسة لجامعة عين شمس، أن أبرز التحديات تكمن في غموض بعض التعريفات القانونية للبضائع الخطرة؛ مما يصعّب على الجهات التنفيذية ملاحقة المخالفين. هذا إلى جانب بطء إجراءات الرقابة الميدانية، وضعف برامج التأهيل والتدريب للعاملين في النقل وسائقي الشاحنات.

وتنبه دراسات أخرى إلى أن مصر مطالبة بتسريع مواكبة الاتفاقيات الدولية في هذا الملف، مثل إلزام الشركات بتعيين مستشار سلامة للبضائع الخطرة وفق متطلبات اتفاقية ADR التي بدأ تطبيقها عالميًا في يناير 2023.

يُجمع المتخصصون على أن نجاح خطة الدولة في توطين الصناعة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتأمين منظومة النقل، خاصة للبضائع التي يمكن أن تتحول من مصدر للنمو إلى قنبلة موقوتة حال غياب الرقابة والتطبيق الرادع.

ويظل رهان الدولة الآن معلقًا على تفعيل منصات إلكترونية لتتبع الشحنات الخطرة لحظة بلحظة، وتكثيف حملات التفتيش، وفرض غرامات صارمة على الشركات التي تتلاعب بالتصنيفات أو تُهمل إجراءات السلامة. بالتوازي، يبقى تأهيل الكوادر وتحديث قوائم المواد الخطرة وفق المعايير الدولية ضرورة لا تقبل التأجيل.

هكذا، يتضح أن الطريق نحو صناعة قوية وآمنة لا يكتمل إلا بإغلاق الثغرات القانونية، وضمان شراكة حقيقية بين الجهات التشريعية والرقابية والمستثمرين لضمان بقاء حركة نقل المواد الخطرة ضمن حدود الأمان المستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *