عالم

تبادل الأسرى والجثث بين روسيا وأوكرانيا.. «تعثر في التنفيذ واتهامات متبادلة»

في قلب كل صراع، لا تقتصر الخسائر على الميادين والمعارك فحسب، بل تتجاوزها لتطال أرواحًا أُزهقت وأجسادًا تنتظر الراحة الأبدية، وفي خضم “الحرب الروسية الأوكرانية” المستعرة، تبرز قضية تبادل الأسرى وجثث الجنود كجانب إنساني مؤلم يكشف تعقيدات الصراع وتحدياته، فبينما تتصاعد أصوات القذائف، تتعالى أيضًا أصوات المطالبات الإنسانية بإعادة الأبناء والرفات إلى ذويهم، في محاولة لتضميد جراح لا تندمل إلا بالعودة إلى الوطن.

تتزايد التوترات حول عملية تبادل الأسرى وجثث الجنود بين “روسيا، وأوكرانيا”، مع اتهامات متبادلة بالتعطيل وتأخير التنفيذ، رغم الاتفاقات التي تم التوصل إليها مؤخرًا في “إسطنبول”، ووفقًا لتصريحات دبلوماسيين ومسؤولين وخبراء، يبدو أن هناك عوامل داخلية أوكرانية وضغوطًا خارجية تعرقل التقدم في هذه القضية الإنسانية الحساسة.

فقد صرح “روديون ميروشنيك”، سفير وزارة الخارجية الروسية والمسؤول عن مراقبة “جرائم نظام كييف”، لـ”صحيفة إزفستيا الروسية”، بأن تأخر “أوكرانيا” في تنفيذ الاتفاقيات مرتبط بعوامل داخلية وعلاقات “كييف” بداعميها، وأضاف خبراء أن السلطات الأوكرانية الحالية تخشى فقدان هيبتها، مما قد يؤدي إلى تفاقم مواقفها السلبية محليًا.

تأخر في تنفيذ الاتفاقيات الإنسانية

على الرغم من التوصل إلى اتفاقات في “إسطنبول” قبل أسبوع، أجرت “روسيا، وأوكرانيا” أمس الأثنين، أول عملية تبادل لأسرى الحرب دون سن 25 عامًا، ومع ذلك، تبقى قضية جثث الجنود القتلى عالقة، فقد عرضت “موسكو” على كييف إعادة الجثث، لكن الأخيرة لم تستلمها بعد.

وأكد “ميروشنيك” أن “روسيا” نفذت الاتفاقات بشكل كامل، وأن “الكرة الآن في ملعب أوكرانيا”، وأن مسؤولية الرد الرسمي على المبادرة الإنسانية الروسية تقع على عاتق “نظام كييف”.

اتهامات أوكرانية بتعمد التأخير

من جانبه، اتهم “سبيريدون كيلينكاروف”، النائب السابق في “البرلمان الأوكراني”، السلطات الأوكرانية بعدم رغبتها في استلام جثث جنودها، وقال لـ”صحيفة إزفستيا”، إن “هذا العدد الكبير من القتلى يُقوّض كل الروايات التي تُروّج لها الدعاية الأوكرانية”، وأشار إلى أن غالبية الجنود الذين سُلّموا قُتلوا في “منطقة كورسك”، وأن القتال هناك كان بمبادرة شخصية من الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”.

وتوقع “كيلينكاروف” أن تحاول كييف “تعطيل هذا الإجراء لأطول فترة ممكنة، من خلال التشكيك فيها، وإجراء العديد من التقييمات من قبل الخبراء، ومحاولة إبعاد هذه القضية عن دائرة الضوء”.

أهمية تبادل الأسرى والجثث في تسوية النزاع

يرى المحلل “تيغران ميلويان” من “مركز دراسات البحر الأبيض المتوسط” التابع لـ”جامعة HSE” أن “إطلاق المحادثات ومواصلتها ضروريان على أقل تقدير لإعادة الجنود إلى أوطانهم”، ويؤكد أن هذه الجهود “لا تُعد مجرد ذريعة ضد معارضي التعاون مع كييف، بل يُمثل أيضًا دليلاً واضحًا على أن روسيا تُفكر في جنودها الأسرى وتبذل قصارى جهدها الدبلوماسي لإطلاق سراحهم”.

وخلصت “ناتاليا يريمينا” من جامعة “سانت بطرسبرغ” الحكومية، إلى أن تبادل أسرى الحرب وجثث القتلى يسبق دائمًا المحادثات الرئيسية لتسوية النزاع، حيث يسعى الطرفان من خلاله إلى تخفيف حدة المواجهة وإبداء استعدادهما لمواصلة النقاش، ومع ذلك، أشارت إلى “أن القضايا الرئيسية للصراع لا يمكن أن تُحل بشكل مستقل من قبل كييف”.
الكرملين يؤكد الاستعداد للتبادل وكييف تتهم بالتلاعب

أكد “الكرملين” اليوم الثلاثاء أن “روسيا” مستعدة لبدء تسليم جثث قتلى الحرب في “أوكرانيا” منذ عدة أيام، حيث توجد شاحنات مبردة تحتوي على عدد من الجثث متوقفة قرب الحدود، لكن “كييف” ما زالت تناقش التفاصيل، وقد اتفق الجانبان على إعادة جثث الجنود الذين قتلوا في الصراع خلال “محادثات إسطنبول” في الثاني من يونيو، والتي أسفرت أيضًا عن اتفاق لتبادل أسرى الحرب الذي بدأ يوم أمس الاثنين.

وقد أعلنت “روسيا” عن استعدادها لتسليم جثث أكثر من 6 آلاف جندي أوكراني واستقبال أي جثث لجنود روس تتمكن “كييف” من إعادتها، وصرح مساعد الكرملين “فلاديمير ميدينسكي” يوم السبت الماضي أن الجانب الروسي وصل إلى نقطة التبادل المتفق عليها بجثث 1212 جنديًا أوكرانيًا، لكنه لم يجد أحدًا من “أوكرانيا” لاستقبالهم، ولم يستجب المسؤولون الأوكرانيون المسؤولون عن التبادلات.

في المقابل، اتهم الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي، موسكو “بمحاولة لعب نوع من اللعبة السياسية والإعلامية القذرة” حول قضية التبادلات.

وفي رده على سؤال حول هذه المسألة، قال المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف”، اليوم الثلاثاء، إن “روسيا” لا تزال مستعدة لإعادة الجثث، وتجري محادثات مع “كييف” بشأن هذا الموضوع، لكنه لا يعرف بعد على وجه الدقة عدد جثث الجنود الروس الموجودين لدى “أوكرانيا”، وأوضح “بيسكوف”: “لم يتم التوصل إلى تفاهم نهائي، ويجري التواصل، وتُقارن الأرقام، في الوقت الذي يتم فيه التوصل إلى تفاهم نهائي، ونأمل أن يتم هذا التبادل”، وشدد على أن “هناك حقيقة لا جدال فيها، وهي أننا على الحدود منذ عدة أيام، بالشاحنات المبردة لنقلها إلى الجانب الأوكراني، وهذه حقيقة يعلمها الجميع”.

وقد بثت وسائل إعلام روسية رسمية صورًا لشاحنات مبردة بيضاء طويلة تحتوي على الجثث، وهي مغلقة في أكياس بيضاء فردية ومتوقفة بالقرب من الحدود، في محاولة لإظهار حسن النوايا الروسية في تنفيذ الاتفاقات الإنسانية.
يبقى ملف تبادل الأسرى والجثث نقطة خلاف رئيسية بين “موسكو، وكييف”، مما يعكس التعقيدات العميقة للنزاع، ويُلقي بظلاله على أي جهود مستقبلية للتسوية الدبلوماسية الشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *