
مع بدء تعافي الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة بدأت تظهر أصوات تنادي بـ”تخارج مصر من صندوق النقد الدولي”، فهل أصبح الاقتصاد المصري قادرًا على بالفعل على الاستغناء عن مظلة الصندوق؟ وكيف سيتم الانتهاء من برنامج مصر مع صندوق النقد، خاصة أن مصر تعتبر ثاني أكبر مقترض منه.
تباينت آراء الخبراء في هذا الشأن بعضهم يرى أن التخارج الكامل من صندوق النقد الدولي يتطلب أولًا تعزيز الاعتماد على الموارد الذاتية للاقتصاد، عبر زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي، وتنمية الصادرات، ورفع القدرة التنافسية في الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخاصة من الشركاء العرب والإقليميين.
فيما يجري آخرون أن صندوق النقد لا يمثل مجرد مصدر تمويل، بل يعد “شهادة ثقة” أمام المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين وبالتالي فإن التخارج المفاجئ قد يضر بسمعة الاقتصاد المصري، ويثير قلق الأسواق لذلك فإن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تكون تدريجية ومدروسة.
يرى الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أن الحديث عن تخارج مصر من صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي يجب أن يُفهم في إطار “المستقبل المتوسط والطويل الأجل”، وليس كخطوة فورية.
وأوضح أن مصر ما زالت بحاجة إلى برامج الصندوق كـ”شهادة ثقة” أمام المستثمرين والمؤسسات الدولية، وهو ما يسهّل الحصول على تمويلات إضافية بشروط أفضل.
لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الاعتماد الطويل على قروض الصندوق قد يقيد مرونة السياسات الاقتصادية، ويجعل الإصلاحات مفروضة من الخارج أكثر مما هي نابعة من الداخل.
وأكد أن التخارج الناجح يتطلب تحقيق فائض أولي مستدام في الموازنة، وزيادة الصادرات بنسبة لا تقل عن 15% سنويًا، إلى جانب تعميق التصنيع المحلي وتقليل الواردات.
وأضاف الإدريسي أن مصر تمتلك مقومات قوية تؤهلها لذلك، من بينها موقعها الجغرافي المتميز، وقوة سوقها الاستهلاكي، والفرص الاستثمارية الكبيرة في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة والسياحة غير أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب انضباطًا ماليًا، وإصلاحًا إداريًا شاملًا، وتحسين بيئة الأعمال لتكون جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي.
من جانبه، اعتبر الدكتور محمود عبد السلام، الخبير الاقتصادي، أن التعاون مع صندوق النقد الدولي لا يجب أن يُنظر إليه باعتباره “عبئًا” على الاقتصاد المصري، بل كأداة داعمة لبرامج الإصلاح التي تتبناها الدولة.
وأوضح أن وجود مصر تحت مظلة الصندوق يمنحها مصداقية أمام الأسواق العالمية، ويخفض من تكلفة الاقتراض الخارجي، كما يفتح الباب أمام تدفقات استثمارية مباشرة.
وأشار عبد السلام إلى أن التخارج السريع من برامج الصندوق قد يحمل مخاطر كبيرة، خاصة في ظل التحديات العالمية مثل ارتفاع أسعار الفائدة، وتقلبات أسواق الطاقة، وتباطؤ الاقتصاد الدولي.
وأضاف أن الصندوق لا يفرض فقط شروطًا إصلاحية، بل يقدم أيضًا دعمًا فنّيًا وخبرة تراكمية يمكن لمصر الاستفادة منها في إدارة ملفات حيوية مثل الدين العام والسياسة النقدية.
وشدد عبد السلام على أن “الاستقلال الاقتصادي” لا يعني الانعزال عن المؤسسات الدولية، بل يتطلب التوازن بين الاعتماد على الشركاء الخارجيين، وتنمية القدرات الذاتية للاقتصاد. لذلك، يرى أن مصر يجب أن تواصل تعاونها مع صندوق النقد في المدى القريب، مع العمل بالتوازي على بناء قاعدة إنتاجية قوية تسمح لها مستقبلًا بالتخارج التدريجي دون أزمات.