تدرس مصر جديا الموافقة على عملات شركائها في تجارة السلع الأولية، بما في ذلك الصين والهند وروسيا في محاولة لتقليل الحاجة إلى الدولار، الذي شكلت ندرته ملامح أزمة اقتصادية خانقة في البلاد.
وبينما يهيمن الدولار منذ عقود على سوق المعاملات التجارية بين الدول، صرّح وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي بأن مصر تفكر بشكل “جدي جدا جدا جدا أن تستورد” من بعض الدول، باعتماد تبادل العملات المحلية، مضيفا أن “هذا الكلام لم ينفَّذ ولكننا في سكة طويلة مشينا جزءا كبيرا منها، سواء مع الصين أو الهند أو روسيا. إنما حتى هذه اللحظة لم تُحقق صفقة”.
وتعاني مصر من أزمة خانقة في العملة الصعبة أدت إلى انخفاض الجنيه بنسبة تقارب 50 في المئة مقابل الدولار، وكبح الواردات، ودفعت التضخم في المدن المصرية إلى 32.7 في المئة في مارس، وهو ما يقترب من أعلى معدل للتضخم على الإطلاق.
وتباينت آراء الخبراء في شأن استبدال العملات المحلية للدول بالدولار، إذ يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، في تصريحات صحفية، أن هذه الخطة تُعد من الخطط طويلة الأجل ولا يمكن الاعتماد عليها لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة، فالمسألة تحتاج إلى سلسلة من الخطوات، أبرزها أن الدول الأخرى تحتاج لمعيار واضح لتقييم العملة المصرية، سواء بالاعتماد على الذهب أو الدولار أيضا.
ومع أن بعض الدول ذات الاقتصادات الجيدة والمستقرة مثل السعودية والإمارات بدأت في تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية، واستبدلت بالدولار عملات أخرى في جزءٍ من تعاملاتها التجارية مثل اليوان الصيني والروبل الروسي، إلا أن الوضع في مصر مختلف، لأنها تعاني من أزمة عجز شديدة، أبرزها الديون الخارجية، ولذلك يجب أن تحسن أوضاعها أولا حتى تتشجع الدول لوضع ثقتها في الجنيه، وفقا للخبير ذاته.
وقد تسهم هذه الخطوة في تخفيف ضغوط الدولار على البنك المركزي، لكنها تبقى مرهونةً بعوامل سياسية أخرى، وفقا أستاذة الاقتصاد الدولي أمنية حلمي، التي تعتقد أن من أهم أسباب تحقيق تلك الخطوة هو استقرار الجنيه المصري والنجاح في تحقيق نمو للاقتصاد الوطني.
وتكمن المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى مصر، في أن حجم الواردات يفوق بكثير حجم الصادرات، لذلك تعاني من أزمة عجز في الميزان التجاري مدفوعا بنقص الدولار، وإن استطاعت أن تخصص جزءًا من حجم الواردات الضخم للتعامل بعملات دول أخرى بخلاف الدولار، فهذا يعني أنه يمكن السيطرة ولو جزئيا على أزمة نقص الدولار التي تعاني منها، وفقا لخبراء.
وتشير الإحصاءات الرسمية، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن حجم الواردات المصرية قفز إلى 94.5 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 89.2 مليار دولار خلال عام 2021 بارتفاع قدره 5.3 مليارات دولار، بنسبة 5.9%.
وبلغت قيمة الصادرات المصرية خلال العام الماضي 51.6 مليار دولار، بنمو 18% عن العام الأسبق لتحقق رقما غير مسبوق تاريخيًا، إلا أن هذا الرقم ما زال يمثل أقل من 55% من قيمة الواردات السلعية بالعام الماضي، ليصل العجز بالميزان التجاري 42.8 مليار دولار.
وإذا كان تفكير مصر في التعامل التجاري بعملات أخرى ولو جزئيا يعتبر خطوة إيجابية قد تساعدها على المدى القصير في التخفيف من وطأة الأزمة التي تمر بها، لكن، أيًا يكن سيظل الدولار العملة الأقوى والأساسية في التعاملات الاقتصادية في العالم، وفقا للخبير الاقتصادي الأمريكي جريجوري أفتنديليان. ولهذا السبب يستبعد أستاذ الاقتصاد، على الإدريسي، أن تتمكن مصر من التخلي كليا عنه، لكنها يمكنها فقط تخفيف الطلب عليه.
ويضيف أن الدولار يمثل نحو 87 بالمئة تقريبا من التعاملات الدولية، وبالتالي فإن تخفيف الطلب عليه في مصر قد يُحدث نوعا من السيطرة على سعر الصرف محليا والقضاء على السوق الموازية.
وأدى شح الدولار في مصر إلى نقص السلع الاستراتيجية في البلاد، وانخفاض مخزون القمح ليكفي شهرين ونصف الشهر فقط، كما أن احتياطاتها من الزيوت النباتية والسكر والأرز انخفضت إلى 4 أشهر، أما مخزون اللحوم، فيكفي لشهرين.
في المقابل، يعتقد الخبير الاقتصادي، حسن الصادي أن اعتماد تبادل عملات أجنبية لن يجدي نفعا في حل أزمة شح الدولار في مصر، خاصة مع ارتفاع الطلب عليه لدفع مستحقات الواردات وأقساط الديون وفوائدها.
وأضاف الصادي، في تصريحات صحفية، أن صادرات مصر إلى تلك الدول المعنية بالتجارة معها أقل بكثير من وارداتها، ومن ثم تصب في صالح تلك الدول أكثر، والفائض في العملات المحلية من الدول الأخرى بحاجة إلى عملة وسيطة لاستخدامها في تعاملات خارجية أخرى، وهذا الوسيط الحتمي هو الدولار.
ويؤكد الصادي أن التوجه لاستخدام عملات بديلة غير الدولار لا يلغي وجوده وهيمنته، وإنما سيبقى العملة الرئيسية للتعاقدات الدولية. كما أن تخلّي مصر عن الدولار في جزء من معاملاتها لن يحدث بين ليلة وضحاها، وسيستغرق 5 أو 7 سنوات على الأقل، لأن الاحتياطات النقدية في دول العالم تعتمد على الدولار، بحسب عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، فرج عبدالله.
ويبلغ متوسط سعر الدولار في البنوك المصرية 30.9 جنيه، في حين يُتداول في السوق الموازية بين 35 و36 جنيها، وتخطى سعره في العقود الآجلة لأجل عام حاجز 40 جنيها.
ويعتمد البنك المركزي منذ عام 2016، نظام سعر صرف مرنا، يسمح فيه بهامش للعرض والطلب في توجيه سعر الصرف، ومنذ ذلك انخفض الجنيه ثم استقر مجددا لفترة طويلة قبل أن يُقدِم المركزي على أكثر من خفض للسعر في ظل شح كبير لموارد العملة الصعبة في مصر.