على الرغم من القطيعة السياسية التي استمرت أكثر من عشر سنوات، اتخذت العلاقات التجارية بين مصر وتركيا منحنى معاكسا، وسجلت نموا ملحوظا.
قفز التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار، وفقا لرئيس مجلس الأعمال التركي المصري بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، مصطفى دنيزر، الذي عزا الفضل في ذلك إلى اتفاقية التجارة الحرة التي وقعها البلدان عام 2007.
أرقام متواضعة
تعمل في مصر نحو 1700 شركة تركية بحجم استثمارات يقدر بأكثر من 3 مليارات دولار، منها 200 مصنع في صناعات الغزل والنسيج والملابس والكيماويات، بحسب مجلس الأعمال المصري التركي، وهي استثمارات توفر 70 ألف فرصة عمل بشكل مباشر، ونحو 100 ألف فرصة عمل بشكل غير مباشر، مع تحقيق عائد إجمالي بقيمة 1.5 مليار دولار سنويًا.
أما حجم التجارة بين البلدين، فقد سجل 6.6 مليار دولار خلال عام 2023 مقابل 7.8 مليار جنيه خلال عام 2022 بنسبة انخفاض بلغت 15.7%، كما انخفضت خلال النصف الأول من عام 2024 لتصل إلى 3 مليارات دولار مقارنة بـ3.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
هذه الأرقام متواضعة بالنظر إلى طموحات البلدين، وهو ما عبرت عنه نتائج الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، الذي صدر خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأنقرة، وهي الزيارة الأولى منذ توليه المنصب، وكذلك أول زيارة لرئيس مصري لتركيا منذ 12 عاما.
فقد اتفق الرئيسان على زيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين واستثمار الإمكانيات المتاحة.
وصدر بيان مشترك عن الاجتماع أشارت فيه الرئاسة التركية إلى أن عام 2025 يوافق الذكرى المئوية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر، وإلى إرادة البلدين في رفع الشراكة والتعاون بينهما في كافة المجالات إلى المستوى الاستراتيجي.
وأفاد البيان أن البلدين “ملتزمان بتعزيز التنسيق والتعاون الدوليين من أجل المساهمة في الجهود الدولية ومكافحة التحديات العالمية، بما في ذلك التنمية المستدامة وتغير المناخ وحماية البيئة والأمن الغذائي، من خلال الشراكة الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة.”
مذكرات تفاهم
أوضح البيان المشترك أن البلدين وقعا مذكرات تفاهم في مجالات المالية والبيئة والتخطيط العمراني والصحة والطاقة والأعمال والزراعة والطيران المدني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعليم العالي والعمل والتوظيف والتعاون وتعزيز القدرات والسكك الحديدية وسياسة المنافسة والتعاون بين الأكاديميات الدبلوماسية، وفقا لوكالة “الأناضول”.
كما اتفق الطرفين على مواصلة تحسين البيئة الاستثمارية في بلديهما لرجال الأعمال، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة العوائق لدى الجانبين وتشجيع الاستثمارات الجديدة.
وأعربا عن استعدادهما لتعزيز تعاونها في مجالات الصناعة والبنية التحتية، وتشجيع التعاون الثنائي في مجالات المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال من خلال دعم رواد الأعمال الشباب لتنفيذ مشاريع مشتركة.
كما أعربا عن التزامهما بتعزيز وزيادة المشاريع الاقتصادية المشتركة وفرص الاستثمار المتبادل في كل المجالات من أجل ضمان التكامل من حيث الإنتاج والاستهلاك وكذلك الصادرات إلى دول أخرى في أفريقيا وأوروبا والعالم.
وشدد الطرفان على أهمية المشاركة الدورية في معارض ومؤتمرات التجارة والفعاليات الاقتصادية مثل المنتديات والندوات والمؤتمرات وورش العمل في تركيا ومصر، وكذلك تبادل وفود التجارة والأعمال بين الطرفين.
تعاون في الطاقة
من النقاط المهمة بي البيان، أن الطرفان شددا على أهمية “التعاون الوثيق” في مجال الطاقة وتطوير الحوار حول العلاقات الثنائية والمشروعات المشتركة والاستثمارات، فضلا عن دعم التعاون في التحول في مجال الطاقة، وتحديدا مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بناء على مبدأ المنفعة المتبادلة.
وقال أردوغان خلال مؤتمر صحفي مع السيسي: “لدينا الرغبة في تحسين تعاوننا مع مصر في مجال الطاقة، وخاصة في الغاز الطبيعي والطاقة النووية”.
وتستورد تركيا من مصر الغاز الطبيعي المسال، كجزء من خطتها لتكون مركزا للإمدادات إلى أوروبا، كما تستهدف إعادة تشغيل سفن شحن البضائع بين ميناءي مرسين التركي والإسكندرية في مصر.
وتسعى مصر إلى زيادة حجم التبادل التجاري غير النفطي مع تركيا بما يتراوح بين 20% و25% ليصل إلى حوالي 8 مليارات دولار خلال العام المقبل، وذلك مقابل 6.3 مليار دولار عام 2023، وفقا لما نقلته وكالة “بلومبرج” عن مسؤول مصري لم تذكر اسمه.
وتُعد تركيا أكبر مستورد من مصر في الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تمثل الصادرات الصناعية القسم الأكبر من صادرات مصر إليها، فيما تشكل الصادرات البترولية نسبة لا تتجاوز 12% من إجمالي صادرات مصر لتركيا، بحسب ما ذكره مسؤول حكومي لـ”بلومبيرغ” في يوليو الماضي.
وفي مجال الدفاع، تبحث تركيا عن المزيد من المشترين لطائراتها العسكرية بدون طيار وسياراتها المدرعة.
كما تتطلع مصر لجذب استثمارات تركية جديدة بقيمة مليار دولار خلال 18 شهرا، تشمل قطاعات مختلفة أهمها الملابس والأجهزة المنزلية والكهربائية، بحسب ما ذكره المسؤول.
زيارة مرتقبة
نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، قال إن هناك زيارة مرتقبة لوفد من رجال الأعمال المصريين إلى تركيا لبحث إقامة فرص استثمارية مشتركة وزيادة حجم التجارة البينية بين البلدين، مؤكدًا تفاؤله بقدرة القطاع الخاص على زيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأنقرة مما يمهد الطريق إلى تحسن العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وأعد مجلس الأعمال المصري التركي، قائمة بالفرص الاستثمارية المتاحة في مصر لعرضها المستثمرين الأتراك خلال زيارة مرتقبة لوفد يضم مسؤولين بالحكومة ورجال أعمال مصريين لأنقرة خلال الفترة المقبلة، وفق بيان رسمي.
وأقر البلدان بأهمية التعاون الثنائي في المسائل البيئية، وفي إطار المنظمات الدولية التي تتمتع الدولتان بعضويتها بهدف مكافحة تغير المناخ، وإيقاف فقدان التنوع البيولوجي، ومنع التصحر، وتدهور الأراضي، والتحديات الشبيهة الأخرى، وفقا للبيان.
وأعربا عن دعمهما تعزيز التعاون الثنائي في مجال الطيران المدني وتشجيع السلطات المعنية لتسهيل إجراءات تسيير الخطوط الجوية، وزيادة عدد الرحلات الجوية وتسهيل عمل شركات الطيران والمساهمة في تنويع روابط النقل الجوي من خلال إطلاق رحلات على مسارات جديدة.
التجارة الحرة
وبحث وزير التجارة التركي، عمر بولاط، مع وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، حسن الخطيب، تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وتحديث اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين البلدين، وفقا لوكالة “الأناضول” الرسمية.
وقال بولاط: “ناقشنا خلال اللقاء عزمنا على تطوير علاقاتنا الاقتصادية والتجارية الثنائية، وتحديث اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين تركيا ومصر، بما يعود بالنفع على البلدين”.
وذكر أنه ناقش مع الخطيب قضايا تعزيز التبادل التجاري بين البلدين بالعملات الوطنية، وتطوير علاقات الاستثمار المتبادل.
وأكد الوزير التركي أنه اتفق مع نظيره المصري على اتخاذ خطوات ملموسة كتنظيم فعاليات تجمع أقطاب الأعمال في البلدين، بهدف تعزيز التعاون بينهما.
وفي تصريحات سابقة، قال مسؤول حكومي لموقع “العربية”، إن مصر تستهدف جذب استثمارات تركية بقيمة تتراوح بين 500 و600 مليون دولار في قطاع الصناعة خلال عام 2024، لافتا إلى أن هناك اهتماما تركيا بثلاث قطاعات رئيسية تشمل الملابس الجاهزة والأجهزة المنزلية والصناعات الدوائية.
وأشار المسؤول إلى تلقي الحكومة المصرية استفسارات عديدة من مستثمرين أتراك خلال الفترة الماضية لاستغلال فرص استثمارية في مصر، أو استيراد منتجات محلية الصنع.
ووقعّت مصر عقودا استثمارية بقيمة 500 مليون دولار مع مستثمرين أتراك خلال عام 2023، في عدة قطاعات صناعية أبرزها الملابس الجاهزة والأقمشة والبلاستيك والصناعات المعدنية وورق الكارتون، وفقا للمسؤول الذي توقع زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بنسبة 20% على الأقل بنهاية العام الجاري.