
في خطوة تشريعية وصفت بأنها محورية لمستقبل إدارة الثروة العقارية في مصر، أقر البرلمان المصري قانون إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات. ويهدف القانون الجديد إلى توثيق وتنظيم القطاع العقاري من خلال منح كل عقار، سواء كان سكنيًا أو تجاريًا أو صناعيًا، رقمًا قوميًا فريدًا يُعبر عن هويته القانونية والفنية والإدارية.
القانون الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية، يفتح الباب لتأسيس قاعدة بيانات مركزية دقيقة للعقارات في مصر، تُمكن الجهات الحكومية من ربط بيانات العقارات إلكترونيًا، ما يسهم في ضبط السوق، والقضاء على حالات التعدي على الأراضي وتضارب الملكيات، إضافة إلى حصر أملاك الدولة والمواطنين بدقة.
وصف رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، هذه المنظومة بأنها مشروع قومي لا يقل أهميته عن بطاقة الرقم القومي للمواطن، مشيرًا في اجتماع الحكومة الأخير إلى أن التسجيل العقاري ظل لسنوات طويلة معضلة حقيقية تعيق تدفق الاستثمارات وتُهدر جزءًا كبيرًا من الثروة العقارية غير المسجلة. وأوضح مدبولي أن المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، يواجهون مشكلات جمة عند محاولة شراء أصول عقارية تفتقر إلى مستندات ملكية واضحة أو وثائق رسمية.
وأشار إلى أن القانون الجديد يمنح كل وحدة سكنية أو محل تجاري أو منشأة صناعية ما يشبه “بطاقة شخصية”، تتضمن جميع التفاصيل المرتبطة بها، بدءًا من الموقع والترخيص، وانتهاءً بسجل التصرفات والمخالفات. واعتبر أن هذا التطوير سيسهل بشكل كبير مناخ الاستثمار في القطاع العقاري ويصون حقوق الأفراد والدولة على حد سواء، لافتًا إلى أن كثيرًا من العقارات التي تُزال للمنفعة العامة لا تُعرف ملكيتها بشكل دقيق، ما يضيع على الدولة والمواطنين قيمة عقارية مهدرة.
فيما أكد المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن القانون لا يرتبط بأي صورة بملف التصالح في مخالفات البناء، نافيا في تصريحات صحفية وجود نية لفرض أعباء أو رسوم مالية جديدة على المواطنين. وشدد على أن القانون يستهدف ميكنة المنظومة العقارية، دون تحميل المواطن أعباء إضافية.
من جانبه، أوضح وزير الإسكان شريف الشربيني أن القانون سيُسهم في توحيد البيانات العقارية في مصر، مع توضيح موقف كل عقار من حيث التسجيل أو التصالح، مما يخلق منظومة حوكمة واضحة للتعاملات العقارية، ويحد من فرص الاحتيال أو التضليل في عمليات البيع والشراء.
وأضاف المهندس عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان، أن القانون يأتي في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي الكامل، وأن الرقم القومي الموحد للعقار سيحمل كافة التفاصيل التي تخص العقار في قاعدة بيانات شاملة. ولفت إلى أن الرقم سيكون بمثابة بصمة رقمية غير قابلة للتكرار، تشمل الموقع الدقيق، نوع النشاط، والمخالفات إن وُجدت، وستساعد المواطنين على اتخاذ قرارات مبنية على معلومات واضحة قبل الإقدام على أي تصرف عقاري.
أما عن الرسوم الخاصة باستخراج الرقم القومي، فأكد خطاب أن هذه المسألة لم تُطرح بعد للنقاش، ولا توجد معلومات متوفرة حاليًا حول فرض رسوم محتملة.
طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب ورئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، أشاد بالقانون مؤكدًا أنه يواكب النماذج المتقدمة عالميًا في تنظيم بيانات العقارات، ويمنح كل عقار هوية ثابتة تشمل بيانات تفصيلية دقيقة. وقال إن القانون من شأنه أن يُسهم في تعزيز تصدير العقار المصري، إذ يسهل عملية التسجيل ويُطمئن المستثمر الأجنبي بشأن الملكية.
واستعرض شكري الفوائد المتوقعة من تطبيق القانون، ومنها تعظيم موارد الدولة من الضرائب العقارية ورسوم التصرفات، وتنظيم عدادات استهلاك المرافق، وتحديد حجم الثروة العقارية بشكل يساعد شركات التطوير العقاري في تلبية احتياجات السوق بناء على بيانات دقيقة.
وأشار إلى أن القانون يمنح أجهزة المحليات ووحدات المدن الجديدة صلاحية إصدار بطاقة تعريفية لكل عقار، مع حظر أي تعديل أو إتلاف لهذه البطاقات إلا بتصريح رسمي. ويلزم القانون الجهات الخدمية بعدم التعامل مع العقار إلا من خلال الرقم القومي الموحد.
ويتضمن مشروع القانون بنودًا عقابية لضمان تطبيق صارم. إذ يُغرَّم من يعبث أو يغيّر في البطاقة أو اللوحة التعريفية للعقار بدون تصريح، بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز خمسة عشر ألف جنيه. وإذا ثبت تعمد المخالفة، تصبح العقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، أو غرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، أو العقوبتين معًا. كما يُعاقب من يتقاعس عن تقديم البيانات المطلوبة لإنشاء قاعدة البيانات بغرامة تصل إلى ثلاثين ألف جنيه.
رئيس لجنة التطوير العقاري والمقاولات بجمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، أكد في تصريحات صحفية أن القانون يمثل نقلة نوعية في إدارة الثروة العقارية، وسيسهل عمليات التسجيل والتمويل العقاري، إضافة إلى دوره في ضبط وتحديد قيمة الضرائب المفروضة بشكل عادل ومنصف. وأضاف أن عدم وجود رقم قومي موحد للعقار سابقًا تسبب في العديد من الإشكاليات، أبرزها تضارب الملكية وصعوبة تتبع التصرفات العقارية.
من جهته، أشار أحمد الشناوي، عضو مجلس العقار المصري، إلى أن تطبيق هذه المنظومة سيمنح المواطنين القدرة على الاستفادة الاستثمارية من ممتلكاتهم، ويحافظ على حقوقهم في مواجهة محاولات الاستيلاء أو التلاعب. كما توقع أن يسهم القانون في تنشيط سوق العقار، لا سيما في ظل الإقبال المتزايد من بعض الجنسيات الأجنبية على الإقامة الطويلة في مصر، وهي فئة من المتوقع أن تمثل نحو أربعين في المئة من حجم الطلب المستقبلي على العقار المصري.
وبحسب وزير الاتصالات عمرو طلعت، انتهت الحكومة من حصر العقارات في 22 محافظة، وسيتم قريبًا إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للمواطنين الاستعلام عن الرقم القومي لعقاراتهم بسهولة، ضمن خطة لتسهيل التواصل بين المواطنين والدولة بشأن ملفات التسجيل.
ويُستثنى من تطبيق القانون العقارات ذات الطبيعة الاستراتيجية والأمنية، مثل تلك التابعة لرئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والداخلية وهيئات الأمن القومي.
ومن المقرر أن تُصدر اللائحة التنفيذية للقانون خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، لتحديد خطوات التنفيذ والإجراءات التفصيلية المطلوبة من المواطنين، ومن بينها الالتزام بتوفيق الأوضاع خلال مهلة نصف عام من إصدار اللائحة، واستخدام الرقم القومي الموحد في كل التعاملات الرسمية المتعلقة بالعقار، مع الحفاظ على البطاقة التعريفية وعدم التلاعب بها.
بهذا التشريع، تدخل مصر مرحلة جديدة من الحوكمة العقارية والرقمنة، تُمكّن الدولة من استغلال إمكانياتها العقارية وتوفير مناخ أكثر شفافية وجاذبية للاستثمار.