
أثار إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ووزير تجارته “هوارد لوتنيك” عن مقترح “بطاقة ترامب الذهبية” جدلاً واسعاً.
هذه البطاقة، التي تصور على أنها تأشيرة هجرة استثمارية بقيمة 5 ملايين دولار، تهدف إلى منح المستثمرين الأثرياء إقامة دائمة في الولايات المتحدة، مع مسار سريع للحصول على الجنسية، ومع ذلك، تشير آراء الخبراء والحقائق المتاحة إلى أن هذا المفهوم يواجه تحديات هائلة، وقد لا يرى النور بالشكل الذي يُروج له.
تحديات تشريعية وإجرائية كبرى
في تقرير نشرته مجلة “فوربس” الأمريكية، يؤكد “نوري كاتز”، مؤسس شركة Apex Capital Partners والمتخصص في الهجرة الاستثمارية لعملاء الثروات الضخمة، أن “التحديات هائلة لدرجة يصعب معها تحقيق هذا الهدف”.
ويوضح “كاتز” أن تطبيق “بطاقة ترامب الذهبية” يتطلب من الكونجرس سن قوانين جديدة للهجرة والضرائب، ففي الوقت الحالي، لا يوجد برنامج فعلي أو تفاصيل قانونية محددة، بل هو “مجرد قدر كبير من التسويق والتطمينات السوقية”.
وتؤكد “جمعية المحامين الأمريكيين” المتخصصين في قضايا الهجرة أن إطلاق هذه البطاقة سيتطلب تغيير قوانين الهجرة الحالية، وهو ما يبرز حجم العقبات التشريعية التي يجب تجاوزها.
غياب البنية التحتية والشفافية يثير القلق
على الرغم من وعود “لوتنيك” بإطلاق موقع إلكتروني خاص بالبطاقة الذهبية (trumpcard.gov) “خلال أسبوع”، إلا أن الموقع لا يزال يعرض صفحة ويب مصممة لغرض تسويقي، وتفشل محاولات التسجيل المتكررة، هذا الغياب الواضح في البنية التحتية يثير قلقاً كبيرًا بشأن جدية المشروع وشفافيته.
يعبر “كاتز” عن تحفظه الشديد على التسجيل في الموقع قبل وضع تشريع واضح وتوضيح كيفية إدارة المعلومات التي يتم جمعها وحمايتها، ويحذر قائلاً: “لا يوجد أي فائدة من التسجيل الآن، لا نعلم أين ستذهب هذه المعلومات أو من سيستخدمها”.
جدوى اقتصادية مشكوك فيها
روّج الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب، ووزير تجارته “هوارد لوتنيك” لبرنامج التأشيرات بقيمة 5 ملايين دولار كوسيلة لتقليص الدين الوطني البالغ 36 تريليون دولار، زعموا أن بيع مليون بطاقة ذهبية سيجمع 5 مليارات دولار، و10 ملايين بطاقة ستجمع 50 مليار دولار، ومع ذلك، يشكك “كاتز” بشدة في هذه الأرقام، مصرحاً بأن “الأرقام لا تتوافق”.
ويشير “كاتز” إلى أن الأفراد ذوي الثروات الضخمة نادراً ما ينفقون أكثر من 10% من صافي ثروتهم على برامج الهجرة، وعادة ما تكون النسبة أقرب إلى 5%، وهذا يعني أن المستثمر المحتمل يجب أن تبلغ ثروته الصافية 100 مليون دولار ليتمكن من تحمل تكلفة البطاقة.
وفقاً لتقرير صادر عن شركة Henley & Partners، فإن عدد أصحاب الملايين في العالم أقل من 30 ألفاً، وأكثر من ثلثهم أمريكيون، وهذا يترك سوقاً محتملة تضم نحو 20 ألف مليونير أجنبي فقط، وهو ما يقل بكثير عن الأرقام التي يطمح إليها “لوتنيك”.
البديل الحالي وسط مستقبل غامض
يُذكر أن برنامج المستثمر المهاجر EB-5 الحالي يمنح الإقامة الدائمة للأجانب الذين يستثمرون ما بين 800 ألف ومليون دولار في الاقتصاد الأمريكي ويساهمون في خلق 10 وظائف دائمة، وقد جمع هذا البرنامج حوالي 4 مليارات دولار للاقتصاد الأمريكي العام الماضي.
وتشير شركة Henley & Partners إلى زيادة الطلب على برنامج EB-5 حالياً، حيث يسعى المستثمرون للحصول على “البطاقة الخضراء” الأمريكية بالسعر الحالي قبل طرح خيار أعلى محتمل، ورغم إشارة “ترامب” إلى أن بطاقته الذهبية ستحل محل برنامج EB-5، إلا أن الخبراء يتوقعون أن يكون الانتقال تدريجياً، وأن برنامج EB-5 سيبقى سارياً حتى سبتمبر 2027.
من هو صاحب الفكرة؟
كشف “لوتنيك” أن فكرة “بطاقة ترامب الذهبية” جاءت من صديق “ترامب”، الملياردير “جون بولسون”، مدير صندوق التحوط، الذي اقترح “لماذا نُعطي تأشيرات مجانية؟ يجب أن نبيعها”، وذلك على الرغم من أن الأجانب يدفعون بالفعل ما يصل إلى مليون دولار للحصول على تأشيرة EB-5.
يبدو أن “بطاقة ترامب الذهبية” لا تزال مجرد مفهوم تسويقي طموح يواجه تحديات جمة على الصعيد التشريعي والإجرائي والمالي، فغياب الإطار القانوني الواضح، وعدم وجود بنية تحتية تشغيلية، والمخاوف بشأن جدوى الأرقام المعلنة، كلها عوامل تثير الشكوك حول إمكانية تحقيق هذا المشروع بالشكل الذي يروج له، ويشير الخبراء إلى أن أي مبادرة من هذا النوع قد تستغرق شهوراً أو حتى سنوات، وتتطلب جهداً سياسياً وتشريعياً كبيراً لتحويلها من مجرد فكرة إلى واقع ملموس.