خيري ل”البورصجية” : أسعار الطاقة تتجة للارتفاع في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة
قالت الدكتورة منال خيري أستاذ مناهج الاقتصاد بجامعة حلوان أن منطقتنا تمتلئ بالاكتشافات الجديدة من الغاز الطبيعي مشيرة إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط كان من الخطوات المصرية للتحكم فى مفاتيح شرق المتوسط وخلق حالة من الاستقرار فى المنطقة وتأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية وذلك بما يتفق مع القانون الدولى ودعم جهودها في الاستفادة من احتياطياتها واستخدام البنية التحتية ومع بناء بنية جديدة تهدف إلى تأمين احتياجاتهم من الطاقة لمصلحة رفاهية شعوبهم.
تطور ملموس
وأشارت الدكتورة منال خيري في لقاء مع “البورصجية” إلى أن المنتدى يركز حاليًا على تنفيذ استراتيجية طويلة الأجل للدول الأعضاء الحاليين على أن يعقبها النظر في طلبات انضمام دول جديدة لافتة إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط ساهم خلال السنوات الماضية فى إعادة ترتيبات سبق طرحها حيث أنه أعاد مفهوم أمن الطاقة العالمي وأصبح الآن منظمة عالمية ودولية وبمعايير قوية وخلال فترة قصيرة شهد تطورًا ملموسًا وكبيرًا وأصبح منصة دولية مهمة لأنشطة الغاز تضمن التعاون الإقليمي والعالمي الناجح بهدف مواجهة التقلبات والتخفيف من حدة التوترات السياسية بالمنطقة واستقطابه الاهتمام العالمى.
ثروات الغاز
ولفتت الدكتورة منال خيري إلى أن أحد أهداف المنتدى تنمية ثروات الغاز الطبيعي لمنطقة شرق المتوسط من خلال التعاون بين دول المنطقة والشركات العاملة بها كما أنه يعزز دور الدول المنتجة للغاز الطبيعي في شرق المتوسط لتكون موردًا رئيسيًا لدول الاتحاد الأوروبى في مجال الغاز حيث يسمح المنتدى بوجود تنسيق وتعاون بين مصر “إحدى دول المنتدى” والدول الكبرى المنتجة للغاز الطبيعى فى المنطقة لزيادة معدلات إنتاج الغاز وإعادة تسييله وتصديره إلى أوروبا ضمن بدائل الغاز الروسى للقارة الأوروبية لاسيما مع وجود وحدتى إسالة الغاز الطبيعى فى مدينتى دمياط وإدكو.
محاور عدة
وقالت الدكتورة منال خيري أن منتدى غاز شرق المتوسط إحدى أدوات تحول مصر لمصدر إقليمي للطاقة في المنطقة حيث تمتلك الدولة المصرية جميع القدرات لتنفيذ هذا المشروع الحيوي فمصر لديها إمكانات هائلة تؤهلها لهذا الأمر ويساعد المنتدى الذي دعت مصر إلى تشكيله على تعزيز ثقلها السياسي الإقليمي والدولي خاصة في ظل الترحيب الأوروبى حيث استطاعت القاهرة تقديم نفسها بشكل سياسي واقتصادي وذلك من خلال التنسيق الذي تم بين مصر والدول الأخرى في منطقة شرق المتوسط مشيرة إلى أن مصر تعمل على عدة محاور لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي من خلال طرح مناطق جديدة للبحث والاستكشاف عن الغاز من ضمنها برنامج مكثف لعمليات الحفر والتنقيب عن الغاز خلال العام ونصف العام القادمين كما تعمل الحكومة المصرية مع الشركات الأجنبية العاملة في مجال البحث والتنقيب على الإسراع في عملية إنتاج الغاز الطبيعي من الحقول المكتشفة.
محطات الإسالة
وأوضحت الدكتورة منال خيري أن الدول الأعضاء تهدف إلى إسالة الغاز المستخرج وإعادة تصديره إلى أوروبا عبر مصر ما يساعد مصر على تحقيق خطتها للتحول إلى مركز لتجارة الغاز في حوض المتوسط من خلال الاستفادة من محطات الإسالة التي تمتلكها والتي يمكن من خلالها استيراد الغاز المكتشف في دول شرق المتوسط من أجل تسييله وإعادة تصديره لمناطق أخرى خاصة إلى أوروبا مشيرة إلى أن مصر وقعت في يونيو 2022 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لزيادة صادرات الغاز المسال إلى الاتحاد بهدف إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط على البحر المتوسط حيث تصل الطاقة الاستيعابية لوحدة إدكو إلى 1.35 مليار قدم مكعبة يومياً فيما تصل الطاقة الاستيعابية لوحدة دمياط إلى 750 مليون قدم مكعبة يومياً.
الأردن ولبنان
ولفتت الدكتورة منال خيري إلى إعلان الأردن في 16 نوفمبر 2023 أنه لن يوقع اتفاقية تبادل الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل في ظل الحرب على غزة رغم أنه كان من المقرر التوقيع على هذه الاتفاقية نهاية شهر نوفمبر 2023 خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب-28 في إمارة دبي لتصدير 600 ميجاوات من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل مقابل 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة إلى الأردن بحلول عام 2030 وكذلك في موقف مماثل أعلنت تركيا في أكتوبر 2023 تعليق جميع خططها للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة وكانت أنقرة تعتزم مناقشة خطط للتعاون مع إسرائيل للتنقيب المشترك عن الغاز في شرق المتوسط وإمكانية وضع خطط لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
ثلاثة احتمالات
وأشارت الدكتورة منال خيري إلى أن أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي كشف عن أن آفاق أسعار الطاقة العالمية ستصبح سلبية إذا حدث تصعيد في حرب غزة وحرب لبنان والصراع بين إسرائيل وإيران والتهديد بضرب المنشآت النفطية الإيرانية لافتة إلى إمكانية حدوث ثلاثة احتمالات استنادًا إلى درجة تعطل إمدادات النفط من منطقة الشرق الأوسط والتجارب التاريخية التي شهدها العالم منذ سبعينيات القرن الماضي وهذه الاحتمالات الثلاثة هي التعطل المحدود وفيه ستنخفض إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف برميل إلى مليوني برميل يوميًا وفي ظل هذا السيناريو سيرتفع سعر النفط مبدئيًا بين 3% و13% مقارنة بمتوسط الفترة ربع سنوية الأخيرة من عام 2023 والذي يبلغ حوالي 90 دولارًا للبرميل أي أن سعر البرميل سوف يتراوح بين 93 و102 دولار.
التعطل المتوسط
وبينت الدكتورة منال خيري أن الاحتمال الثاني يتمثل في التعطل المتوسط وفيه ستتراجع إمدادات النفط العالمية بما يتراوح بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين برميل يوميًا مما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة 21% إلى 35% في البداية بواقع 109 دولارات و121 دولارًا للبرميل أما الاحتمال الثالث فهو التعطل الكبير وفيه تنكمش إمدادات النفط العالمية بمقدار ستة ملايين إلى ثمانية ملايين برميل يوميًا مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع بنسبة 56% إلى 75% في البداية بواقع 140 دولارًا و157 دولارًا للبرميل موضحة أنه في ظل هذا السيناريو الأسوأ سوف تتعرقل على الأرجح مشروعات التنقيب الجديدة عن الغاز الطبيعي في غالبية دول منطقة شرق المتوسط خاصة في إسرائيل التي ستجد صعوبة كبيرة في جذب شركات الطاقة العملاقة للاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي لديها بسبب تراجع ثقة المستثمرين الأمر الذي سيكون بمثابة ضربة قوية للطموحات الإسرائيلية في أن تصبح مركزًا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى.
السيناريو الأسوأ
ولفتت الدكتورة منال خيري إلى أن السيناريو الأسوأ سوف يؤدي أيضًا إلى وقف محاولات السلطة الفلسطينية بالتعاون مع مصر لتطوير حقلي غاز مارين 1 و2 الفلسطينيين في الشواطئ الموازية لقطاع غزة والتي كانت من أهم محاور حل أزمة الكهرباء للشعب الفلسطيني فضلًا عن إمكانية أن تصبح مصدرًا ماليًا كبيرًا لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني على النمو في ظل الاحتياطات الموجودة في هذين الحقلين والتي تزيد على تريليون قدم مكعب أما في لبنان سوف يكون قطاع الطاقة من أكبر الخاسرين حال وقوع سيناريو اتساع دائرة الحرب في غزة فإذا تفاقمت الحرب بين إسرائيل وحزب الله فلن يكون لدى حكومة تصريف الأعمال القدرة على جذب شركات الطاقة العملاقة لمعالجة النتائج المخيبة للآمال التي أسفرت عنها عمليات الحفر في حقل قانا للغاز بالقرب من الحدود الإسرائيلية مؤخرًا مما يهدد فرص توفير بدائل قوية لقطاع الطاقة اللبناني في المستقبل القريب.
تداعيات مهمة
وترى الدكتورة منال خيري أن حرب غزة كشفت عن تداعيات مهمة بالنسبة لأمن الطاقة في مصر لعل أهمها أمران أساسيان الأمر الأول أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة المصري نظرًا لوقوع بلادنا في منطقة مليئة بالصراعات الإقليمية التي قد تؤثر سلبًا على أي تدفقات مطلوبة من الخارج لتلبية الاحتياجات المحلية المتنامية من موارد الطاقة ويعد هذا الاكتفاء أمرًا لا غنى عنه لتحقيق أمن الطاقة المصري ومن أجل تحقيق درجة أعلى من الاكتفاء الذاتي لا بد من المضي قدمًا في مسارات رئيسة وهي زيادة الاستثمارات في مشروعات الطاقة التقليدية “النفط والغاز الطبيعي” مع تسريع عمليات التطوير وزيادة الإنتاج من الحقول المطورة حديثًا “غير حقل ظهر” وتحسين كفاءة الطاقة وترشيد استخداماتها وتشجيع التوسع في شبكات النقل الجماعي المعتمدة على الكهرباء كشبكات مترو الأنفاق والقطارات الكهربائية “المونوریل” وزيادة الاعتماد على مشروعات الطاقة المتجددة في توليفة الطاقة في مصر مع تسريع العمل لتفعيل مذكرات التفاهم المتعلقة بمشروعات الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالتعاون مع الشركات الأجنبية مشيرة إلى أن الأمر الثاني يتعلق بأهمية تنويع بدائل استيراد الغاز الطبيعي حيث يمكن الاعتماد على بعض الدول العربية أو حتى الإفريقية من أجل الحصول على شحنات من الغاز الطبيعي المسال مثل الجزائر وقطر ونيجيريا وغيرها.
مستقبل القطاع
واختتمت الدكتورة منال خيري حديثها بالقول إنه مع استمرار الحرب في غزة ولبنان واحتمال اتساع نطاقها وفق السيناريو الأسوأ المذكور أعلاه ستظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل قطاع الطاقة في شرق المتوسط وهذا السيناريو حال حدوثه سوف يؤدي على الأرجح إلى مزيد من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز وإلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية ومرافق الطاقة وطرق الشحن البحري وفي ظل هذا السيناريو من المتوقع أيضًا أن تؤجل معظم دول منطقة شرق المتوسط أي خطط لمشاريع إقليمية قامت بوضعها في السابق لسنوات قادمة وفي مقدمتها مشروعات خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي ومشروعات الربط الكهربائي.