سلايدرملفات وحوارات

انهيار إيرادات قناة السويس… تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الدولة المصرية فيما يتعلق بإيرادات الملاحة في قناة السويس، التي انخفضت 41 بالمئة منذ بداية العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، بينما كانت تعوّل مصر على زيادة الإيرادات في العام الجديد.

وفق بيان حركة الملاحة بالقناة للعام المالي المنتهي في يونيو الماضي، زاد عدد السفن المارّة بنسبة 17.6 بالمئة، مقارنة بالعام المالي السابق، ليصل إلى نحو 26 ألف سفينة، وزادت الإيرادات الكلية بنسبة 34.7 بالمئة لتصل إلى 9.4 مليارات دولار، مقابل 7 مليارات دولار في العام المالي السابق.

وكانت هيئة القناة أعلنت زيادة رسوم العبور العادية عبر الممر المائي بنسبة 15 بالمئة اعتبارا من 15 يناير الجاري. وكشفت “وثيقة أبرز التوجهاتِ الاستراتيجيةِ للاقتصادِ المصري” خلال الفترة من 2024- 2030 أنها تستهدف تفعيل وتعظيم الدور الاقتصادي لقناة السويس من خلال زيادة إيرادات قناة السويس إلى 88.1 مليار دولار خلال الفترة (2024-2030).

وصرح الفريق أسامة ربيع رئيسة هيئة القناة لبرنامج تلفزيوني بأن حركة عبور السفن تراجعت 30 بالمئة في النصف الأول من شهر يناير الجاري على أساس سنوي، موضحا أن عدد السفن العابرة انخفض إلى 544 سفينة حتى الآن هذا العام، مقابل 777 سفينة في الفترة نفسها من العام الماضي، ما أدى إلى انخفاض العائدات بنسبة 41 بالمئة.

تعطل سلاسل التوريد

وأثار اضطراب الملاحة في البحر الأحمر، بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية، مخاوف من تعطّل سلاسل التوريد في العالم، وما قد ينتج عن ذلك من ارتفاع أسعار النفط وزيادة معدلات التضخم، وخصوصًا في مصر.

ومنذ نوفمبر الماضي، يهاجم الحوثيون أي سفينة ذات صلة بإسرائيل أو تلك المتجهة إلى موانئها، ما أجبر أكثر من 100 شركة على تجنب تسيير سفنها عبر البحر الأحمر وقناة السويس، أبرزها “بريتش بتروليوم” للنفط والغاز البريطانية، وعملاقة الشحن الدنماركية “ميرسك” التي عدلت عن قرارها لاحقا، و”هاباج لويد” الألمانية و”سي إم إيه”، و”سي جي إم”، و”فرونت لاين” وغيرها، أو تحويل مسار رحلاتها نحو طريق رأس الرجاء الصالح.

وقال الفريق ربيع إن التأثير ليس على قناة السويس وحدها وإنما على العالم كله، مشيرا إلى أن قناة السويس هي الأكثر أمانا وسرعة وتوفيرا مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح.

وأوضح أن طريق رأس الرجاء الصالح يجعل السفن تستغرق وقتا أطول يصل إلى 15 يوما ويقابله زيادة في استهلاك الوقود والأجور المدفوعة للعاملين. ووصف تعليق بعض الشركات عبورها في القناة بأنه “مؤقت وإلى حين إشعار آخر وليس دائما”.

ويمر عبر قناة السويس ما يقرب من 12 في المئة من تجارة العالم، والتي تشمل 30 في المئة من جميع الحاويات العالمية بينما تستقبل 8 في المئة من تجارة الغاز الطبيعي، و10 في المئة من المشتقات البترولية.

وتقدر الرحلة بين الخليج العربي ولندن بحرا عبر قناة السويس بنحو 12 كيلومترا وتستغرق نحو أسبوعين، بينما تمتد نفس الرحلة لنحو 21 كيلومترا عبر طريق رأس الرجاء الصالح وتستغرق 24 يوما، أي إنّ الرحلة عبر ممر البحر الأحمر توفر أكثر من 40 في المئة من المسافة والزمن مقارنة برأس الرجاء الصالح.

ويهدد تغيير مسار السفن من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح بزيادة مدة وتكلفة الشحن وتأخر مواعيد التسليم، وهو ما قد يُضطر الشركات في النهاية إلى رفع أسعار منتجاتها، ما سيؤثر بشكل مباشر في ميزانية المستهلكين حول العالم، خاصة أن أكثر من 80 في المئة من تجارة السلع العالمية تُشحن عن طريق البحر.

وبحسب تقديرات منصة الشحن (زينيتا)، فإن تغيير مسار أطول رحلة شحن بين آسيا وشمال أوروبا قد يؤدي لزيادة تكلفة الوقود إلى مليون دولار ذهاباً وإياباً. وقال كبير مسؤولي التسويق في شركة (فريتوس) لحجز الشحن الدولي، إيتان بوشمان، إن سعر شحن حاوية من الصين إلى البحر المتوسط ارتفع بنسبة 44 في المئة في ديسمبر بسبب الاضطرابات الأخيرة، ليصل إلى 2413 دولارا؛ بعدما سجل 1371 دولاراً في وقت سابق من العام الجاري.

جفاف قناة بنما

ومن المتوقع أن يمرر تجار التجزئة والمصنعون هذه التكلفة الإضافية إلى المستهلكين، ما يسهم في رفع معدلات التضخم ومفاقمة أزمة غلاء المعيشة، خصوصا أن ذلك يتزامن مع الجفاف الشديد الذي ضرب قناة بنما، ما أجبر مسؤوليها القناة على خفض عدد السفن المارة بها، وفي ذلك يحذر الخبراء من أن العالم لا يتحمل اضطراب اثنين من أهم الممرات المائية، في إشارة إلى قناتي بنما والسويس.

وبعد جفاف قناة بنما واضطراب الملاحة في قناة السويس، يعتقد كثير من الخبراء أنّ الملاحة العالمية أصبحت في خطر، لأن اعتماد العالم على خط تجاري واحد فقط “مخاطرة كبيرة”، إذ إنّ السفن المارة عبر طريق رأس الرجاء الصالح، معرضة للقرصنة.

وتضاف التوترات في البحر الأحمر إلى الصعوبات التي تواجه قطاع السياحة بسبب الأزمة في غزة، ما يلقي بمزيد من الضغوط على مصر التي تمر بأزمة خانقة جراء شح العملة الصعبة.

وحققت مصر بحسب بيانات البنك المركزي إيرادات بلغت 13.6 مليار دولار من السياحة، فيما حقّقت قناة السويس إيرادات بلغت 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023، ويتوقع أن تحقق 10.3 مليار دولار خلال عام 2023، وفقًا لبيان رسمي للرئاسة المصرية في 16 أكتوبر الماضي. وأعلنت الهيئة زيادة رسوم العبور في القناة بنسب تصل إلى 15 في المئة، بداية من 15 يناير 2024.

وقال نائب رئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة العربية في مصر، إن الهجمات على السفن بالبحر الأحمر تشكل خطرا على حركة التجارة العالمية، وفي حال تسببت بتعطل الإمدادات عبر قناة السويس ستبلغ الخسائر ملياري دولار يوميا.

لكن أحمد الشامي مستشار وزير النقل المصري لشؤون النقل البحري، توقع في تصريحات صحفية، أن تكون عائدات القناة في مجملها عن العام المالي الحالي مرتفعة إلى 11.5 مليار دولار رغم الأزمة الحالية التي قال إنها جاءت في النصف الثاني من ديسمبر وهو شهر “هادئ” في حركة التجارة البحرية.

كما أكد أن القوى الكبرى في العالم لن تترك مضيق باب المندب مهددا أبدا لأنه “الشريان الرئيس لتجارة العالم” مشيرا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يمر بها المضيق بمثل هذه ظروف.

ضربات على الحوثيين

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، موافقة أكثر من 20 دولة على المشاركة في تحالف بحري متعدد الجنسيات للمساعدة في حماية حركة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر، منها كندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل والمملكة المتحدة والبحرين.

وبالفعل وجهت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية مشتركة ضد أهداف في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن يومي الخميس والجمعة الماضيين، بعد أن حذرت أمريكا وحلفاؤها الجماعة المسلحة من أنها ستتحمل عواقب هجماتها في البحر الأحمر، إلا أن الجماعة ما زالت تستهدف السفن ولم ترتدع حتى الآن، وهو ما ينذر باستمرار التراجع في إيرادات القناة، ويربك خطة الحكومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *