تجارة وصناعةسلايدرملفات وحوارات

النهضة الصناعية في مصر.. كيف تعمل الحكومة على دعم الصناعة وتوسيعها؟

في إطار جهودها لتحقيق التنمية المستدامة، تولي الحكومة قطاع الصناعة اهتمامًا بالغًا كأحد الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي؛ فقد شهد هذا القطاع أخيرًا العديد من المبادرات والخطط التي تستهدف تعزيز دوره في الاقتصاد.

وتعتبر الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي عرضها الفريق كامل الوزير، وزير النقل، أحد أبرز المبادرات التي تحرص الحكومة على تنفيذها، حيث تسعى لزيادة نسبة المكون المحلي وتحقيق طفرة في الإنتاج الصناعي الوطني.

وأكد الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، أن القطاع الصناعي يعد من الملفات ذات الأولوية في الحكومة المصرية. وأوضح أن الحكومة تعمل على تحويل مصر إلى مركز صناعي إقليمي من خلال استراتيجية صناعية تتضمن زيادة مساهمة القطاع الخاص في الصناعة وتعزيز الاقتصاد الأخضر. وأضاف الوزير أنه تم وضع استراتيجية عملية بالتعاون مع البنك الدولي تهدف إلى تحقيق زيادة في مساهمة الصناعات الخضراء في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 بالمئة.

استراتيجية الحكومة

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أوضح أن الحكومة قد أولت اهتمامًا كبيرًا بتطوير القطاع الصناعي منذ تشكيلها. فقد تم إنشاء مجموعة وزارية متخصصة في هذا المجال، والتي تعمل على اتخاذ قرارات غير تقليدية لتحفيز هذا القطاع بعيدًا عن الإجراءات الروتينية. وأشار مدبولي إلى أن الهدف الرئيسي للحكومة ليس فقط تقليص الواردات، بل التركيز على تعميق المنتج المحلي وزيادة جودته لتحقيق قفزة كبيرة في الصادرات.

وكان مدبولي قد شدد على أن تحقيق نسبة مكون محلي تبلغ 70 إلى 80 بالمئة في الصناعات الحيوية مثل السيارات يشكل هدفًا أساسيًا. وأكد أن مصر بحاجة إلى بيئة صناعية قادرة على توفير الصناعات المغذية اللازمة لتوطين هذه الصناعات، وهو ما سيسهم في تعزيز الاقتصاد وزيادة القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق العالمية.

ورغم الخطوات التي اتخذتها الحكومة لدعم القطاع الصناعي، هناك عدة تحديات تواجه هذا القطاع. ويعتبر تعدد الجهات المسؤولة عن الأراضي الصناعية من أبرز المشكلات التي تؤثر سلبًا في نمو القطاع؛ إذ يرى العديد من المصنعين أن ارتفاع أسعار الأراضي ووجود بيروقراطية في إصدار التراخيص الحكومية يعرقل نمو المصانع الجديدة أو التوسع في المصانع القائمة.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع من ارتفاع تكاليف الطاقة والتمويل، إذ إن تكلفة الطاقة الموردة للمصانع مرتفعة، مما يضع عبئًا إضافيًا على المصنعين. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة على القروض جعل من الصعب على العديد من المصانع التوسع أو الحصول على التمويل اللازم لمشروعاتهم.

الإصلاحات والفرص

من أجل معالجة هذه التحديات، أصدرت الحكومة مجموعة من الإصلاحات الضريبية، وتبسيط إجراءات التراخيص، وتسهيل عملية الحصول على الأراضي الصناعية. كما أعلنت عن خطط لتوحيد جهة الولاية على الأراضي الصناعية من خلال الهيئة العامة للتنمية الصناعية، لضمان عدم المبالغة في الأسعار أو وجود سمسرة في تخصيص الأراضي. إضافة إلى ذلك، تم التوسع في إصدار الرخصة الذهبية للمصانع الكبرى لتسهيل بدء الإنتاج بشكل أسرع.

أما فيما يتعلق بالتمويل، فقد عملت الحكومة على توفير تمويلات بفائدة ميسرة للمصانع، وهو ما يسهم في التوسع في الإنتاج الصناعي. كما تسعى الحكومة إلى تخفيف الأعباء المالية عن المستثمرين من خلال مراجعة الرسوم المفروضة على المصانع وتوحيدها في جهة واحدة لتقليل التكاليف البيروقراطية.

من جهة أخرى، أشار العديد من الخبراء إلى أن القطاع الصناعي في مصر لديه فرص واعدة للنمو. ومن أبرز هذه الفرص، جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصناعات الاستراتيجية مثل صناعة السيارات، وصناعة الأدوية، والطاقة المتجددة. ففي الآونة الأخيرة، شهدت مصر توقيع عقود ومذكرات تفاهم مع شركات دولية لإقامة مصانع ضخمة، مثل الشراكة الإماراتية الصينية لإنشاء مصانع لإنتاج خلايا الطاقة الشمسية. كما أعادت الحكومة تشغيل بعض المصانع المتوقفة، مثل مصنع النصر للسيارات، وهو ما يعكس جدية الدولة في تطوير قطاع الصناعة.

زيادة الصادرات

تستهدف الحكومة زيادة صادراتها الصناعية بشكل كبير، إذ تسعى للوصول إلى 140 إلى 145 مليار دولار من الصادرات بحلول عام 2030. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ينبغي عليها أن تستمر في تعميق التصنيع المحلي وتحقيق التكامل بين المصانع المحلية. ويؤكد محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، أن هذه الخطوة تتطلب التعاون بين القطاع الخاص والحكومة لتحفيز الإنتاج المحلي، بما يسهم في خفض فاتورة الاستيراد وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.

وقد أشار المهندس إلى أهمية إنشاء معارض لعرض مستلزمات الإنتاج المحلية وبدائلها من أجل تحقيق التكامل الصناعي بين المصانع، الأمر الذي سيسهم في توفير المواد الخام وتلبية احتياجات السوق المحلي.

وتعتبر بيئة الأعمال من العوامل الحاسمة في دعم النمو الصناعي، ولهذا السبب تسعى الحكومة المصرية إلى تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الصناعي من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير الطاقة اللازمة للصناعات. كما أشار بعض المصنعين إلى أن الحكومة بحاجة إلى زيادة الدعم للمصنعين في الحصول على المواد الخام والمعدات اللازمة للتوسع في الإنتاج، وذلك لضمان استدامة النمو الصناعي في مصر.

ومن بين القطاعات الصناعية الواعدة التي يتوقع لها النمو في المستقبل، تأتي صناعة السيارات في مقدمة القطاعات الاستراتيجية. فقد أعادت الحكومة تشغيل العديد من المصانع الكبرى المتوقفة، مثل مصنع النصر للسيارات، وهو ما يشير إلى الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لصناعة السيارات لتلبية احتياجات السوق المحلي وتوفير فرص عمل جديدة.

كما تعمل الحكومة على إنشاء مدينة للدواء، وهي مبادرة تستهدف تأمين إمدادات الأدوية المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات. وتعتبر صناعة الأدوية من الصناعات الحيوية التي تحتاج إلى دعم مستمر من الحكومة لضمان توافر الأدوية محليًا وتقليل الفجوة بين العرض والطلب.

الجهود والتحديات

الرئيس عبد الفتاح السيسي شدد على أن الدولة بذلت جهودًا كبيرة على مدار السنوات العشر الماضية لتوفير بيئة ملائمة لتطوير القطاع الصناعي وتحقيق النمو المستدام. وأشار إلى أن السوق المصرية تمثل سوقًا كبيرًا يوفر فرصًا استثمارية واسعة، بما يعزز من إمكانيات التصدير ويساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية والعربية، بالإضافة إلى العلاقات مع الدول الأوروبية وآسيا. وأكد أن الدولة عملت على تحديث البنية التحتية من موانئ ومطارات وشبكات طرق وقطارات، بما يساهم في تحسين بيئة الاستثمار الصناعي.

وأكد أن الدولة وضعت استراتيجية متكاملة للاستثمار، حيث تم إطلاق وثيقة ملكية الدولة التي تحدد دور الدولة في القطاعات المختلفة، وهو ما يعزز الشراكة مع القطاع الخاص ويساهم في تحفيز النمو الصناعي.

ورغم التحسن في بعض جوانب مناخ الأعمال، إلا أن القطاع الصناعي لا يزال يواجه العديد من التحديات، مثل ارتفاع تكلفة الطاقة والتمويل. ومن أجل مواصلة النمو، يوصي الخبراء بتوفير تمويلات بفائدة ميسرة للمصانع لتعزيز قدرتها على التوسع والإنتاج. ويجب أن تواصل الحكومة تحسين السياسات الاقتصادية وتقديم الدعم للمستثمرين من خلال حوافز إضافية لتشجيع الاستثمارات الصناعية، وهو ما سيعود بالفائدة على الاقتصاد المصري بشكل عام.

إجمالا، يبدو المستقبل الصناعي في مصر واعدًا رغم التحديات الحالية. ومع استمرار الإصلاحات الحكومية وتكامل جهود القطاعين العام والخاص، يمكن لمصر أن تحقق أهدافها في تعزيز الصناعة المحلية وزيادة صادراتها. ومن خلال الاستثمار في القطاعات الصناعية الاستراتيجية، يمكن لمصر أن تسهم بشكل كبير في تعزيز اقتصادها وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *