مصر

المخدرات… وحش الظلام الذي يبتلع أحلام الوطن

المخدرات ليست مجرد بودرة بيضاء أو أقراص صغيرة أو أوراق نباتية جافة… إنها وحش يتسلل في الخفاء، يزرع أنيابه في الجسد، ويغرس مخالبه في العقل، فينهش الإرادة حتى تتحول الضحية إلى جسد يتحرك بلا روح. الخطر الأكبر أن هذا الوحش لا يصرخ ولا يثير الانتباه؛ إنه يعمل في صمت، يتغلغل في الدم ببطء، ويمحو ملامح الحياة من العيون.

أتذكر حكاية شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين، كان متفوقًا في دراسته ولامعًا في ملاعب الكرة. جرعة صغيرة “للتجربة” مع أصدقاء السوء كانت كافية لجره نحو الهاوية. في أقل من عام، باع هاتفه، ثم حلي أمه، قبل أن يمد يده لسرقة والده. النهاية جاءت قاسية… قيد حديدي، وقضبان باردة، وحياة تحولت إلى درس مأساوي. هذه ليست قصة نادرة، بل صورة مكررة في آلاف البيوت التي فقدت أبناءها أمام وحش المخدرات.

الإدمان لا يعصف بالمدمن وحده، بل يهز أركان الأسرة كلها. أم تغالب دموعها، أب فقد هيبته أمام نفسه وأولاده، وأطفال يتربون وسط صراخ وشجار ودموع. والأسوأ أن الخوف من “كلام الناس” يجعل بعض الأسر تغلق الأبواب على المأساة، لتتحول البيوت إلى مقابر للأسرار.

في مواجهة هذا الخطر، تخوض وزارة الداخلية معركة لا تهدأ. فرق مكافحة المخدرات تعمل على أكثر من جبهة؛ من مداهمة أوكار الترويج، إلى ضبط الشحنات على الحدود، إلى اختراق شبكات التهريب الكبرى. وراء كل بيان عن ضبطية ضخمة، هناك شهور من المراقبة والتحري، وضباط خاطروا بحياتهم لقطع الطريق على شحنة سموم قبل أن تصل إلى يد شاب أو مراهق.

لكن الحرب ليست أمنية فقط. هناك جبهة أخرى لا تقل أهمية: التوعية. حملات في المدارس والجامعات، قصص حقيقية تُروى على الشاشات، وبرامج لإعادة دمج المتعافين في المجتمع. فالمتعاطي قد يكون ضحية قبل أن يكون مجرمًا، يحتاج إلى علاج ودعم، لا إلى حكم بالإعدام الاجتماعي.

المخدرات ليست مشكلة فردية؛ إنها خطر يهدد الأمن القومي. هي تقتل عقول الشباب الذين يمثلون طاقة الوطن، وتغذي الجريمة والفقر وتفكك الأسر. إذا كانت وزارة الداخلية تحارب في الميدان، فإن المجتمع كله مطالب بخوض معركة الوعي، وإغلاق الأبواب في وجه هذا الوحش قبل أن يبتلع المزيد من الأرواح.

المعركة ضد المخدرات ليست ترفًا… إنها معركة وجود. إما أن نربحها اليوم، أو نخسر الغد بكل ما فيه من أحلام وأجيال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *