
في مشهد كبير وصف بأنه لحظة فارقة في العلاقات بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، انعقدت القمة المصرية الأوروبية الأولى من نوعها في العاصمة البلجيكية بروكسل، أمس الأربعاء، بمشاركة الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، ورئيس المجلس الأوروبي “أنطونيو كوستا”، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، ليبدأ فصلًا جديدًا في العلاقات الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي.
شراكة تنموية
أكدت “أورسولا فون دير لاين”، رئيسة المفوضية الأوروبية، خلال كلمتها في افتتاح القمة، أن الحضور الكثيف لما يقارب 300 ممثل عن شركات من مصر وأوروبا هو إشارة حقيقية على إيمان القطاع الخاص بالفرص الجديدة التي تخلقها الشراكة المصرية الأوروبية.
وأضافت رئيسة المفوضية الأوروبية، أن أوروبا ظلت لسنوات الشريك التجاري الأكبر لمصر، إذ تصدر القاهرة إلى الاتحاد الأوروبي ما يعادل ثلاثة أضعاف صادراتها إلى الولايات المتحدة والهند والصين مجتمعة، وأشارت “فون دير لاين” إلى أن الشركات الأوروبية استثمرت في مصر49 مليار يورو خلال العام الماضي في مجالات الطاقة الخضراء والتعليم والرقمنة.
مصر ممر استثماري نحو المتوسط
كشفت “فون دير لاين” عن مشروع اتفاق البحر المتوسط الجديد الذي سيتيح منصة استثمارات مشتركة لمشاريع الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة على ضفتي المتوسط وقالت في ختام كلمتها: “دعونا نبني جسرًا جديدًا بين مصر وأوروبا، ويجب أن نعبره معًا لنستثمر في بعضنا البعض”.
أوروبا الشريك التجاري الأول لمصر
بحسب بيانات الاتحاد الأوروبي لعام 2024، استحوذت أوروبا على22% من إجمالي تجارة مصر الخارجية، بإجمالي تبادل تجاري بلغ 32.5 مليار يورو، منها19.9 مليار يورو صادرات مصرية و12.6 مليار يورو واردات أوروبية.
وخلال العقد الماضي، نمت تجارة السلع بين مصر والاتحاد الأوروبي بنحو 40%، فيما قفزت الواردات الأوروبية من مصر بنسبة 67%، وهو ما يعكس بحسب محللين أوروبيين أن القاهرة باتت لاعبًا اقتصاديًا صاعدًا في المتوسط، لا مجرد شريك حدودي.
السيسي: مصر تمثل فرصة حقيقية أمام مجتمع الأعمال الأوروبي
في كلمته خلال القمة، قال الرئيس “عبد الفتاح السيسي” إن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري والاستثماري الأول لمصر بنسبة27% من التجارة الخارجية، وبحصة بلغت32% من أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2024.
وأكد الرئيس “السيسي” أن الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة أسهمت في رفع التصنيف الائتماني لمصر وتحقيق نمو اقتصادي بلغ 4.4% في الربع الأخير من العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ2.4% في العام السابق، الأمر الذي يعكس مرونة الاقتصاد المصري رغم التحديات الإقليمية والدولية.
وأوضح الرئيس “السيسي” أن موقع مصر الاستراتيجي يؤهلها للوصول إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك في إفريقيا والعالم العربي وأوروبا، مشيرًا إلى إطلاق المنصة المصرية الأوروبية للاستثمار كأداة عملية لتحفيز الاستثمارات الأوروبية في القطاعات ذات الأولوية.
وشدد الرئيس “السيسي” على ضرورة إعادة هيكلة سلاسل التوريد في المنطقة، وأضاف أن الأمر بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، في ظل تحديات التجارة العالمية، وأزمات الطاقة، وتقلبات الأمن البحري، وأكد على أن مصر يمكنها أن تكون الحليف الصناعي والتكنولوجي، الذى تحتاجه أوروبا لتأمين إمداداتها، وتنويع مصادرها، وتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي.
7.4مليارات يورو حزمة دعم استراتيجية
ووفق المجلس الأوروبي، فإن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي (2024–2027) تتضمن حزمة مالية واستثمارية تبلغ7.4 مليارات يورو، موزعة على5 مليارات يورو قروض دعم اقتصادي، و1.8 مليار يورو استثمارات إضافية، و600 مليون يورو لدعم أولويات خاصة، منها 200 مليون لقضايا الهجرة.
وقد تم بالفعل صرف مليار يورو كدفعة أولى في ديسمبر 2024، تلتها حزمة ثانية بقيمة4 مليارات يورو في عام 2025، إلى جانب إطلاق آلية ضمان استثماري تعبئ ما يصل إلى5 مليارات يورو من الاستثمارات حتى عام 2027 لدعم التحول الأخضر في مصر.
البيان الختامي للقمة الأوروبية المصرية
أكد البيان الختامي للقمة، أن مصر تمثل شريكًا استراتيجيًا محوريًا للاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقرار الإقليمي والأمن في جنوب المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا.
واتفق الجانبان على توسيع التعاون في الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والربط الكهربائي والمشروعات العابرة للحدود، مع الإشارة إلى مشروع “نُوَفِّي “كنموذج رائد للشراكة في مجال المناخ والطاقة المتجددة، وأكد البيان أن مصر ستصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة والتصدير إلى أوروبا.
وأشاد الاتحاد الأوروبي بجهود مصر في مكافحة الهجرة غير النظامية واستضافة ملايين اللاجئين، معلناً عن تخصيص 200 مليون يورو للفترة 2024-2027 لدعم قدرات مصر في هذا المجال.
كما تم الاتفاق على إطلاق شراكة الكفاءات لخلق مسارات قانونية ومنظمة للهجرة بين مصر ودول الاتحاد، وتعزيز التعاون في عمليات العودة وإعادة الإدماج وفق القانون الدولي.
واتفق الطرفان على بدء حوار أمني ودفاعي مشترك يشمل مكافحة الإرهاب، والأمن البحري والسيبراني، والتعاون في عمليات الاتحاد الأوروبي البحرية “أتلانتا” و”أسبيديس”.
كما أُكد الاتحاد الأوروبي على الدور المصري المحوري في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الأمن الإقليمي في البحر الأحمر والبحر المتوسط.
وأشاد البيان بجهود مصر في الوساطة ووقف إطلاق النار في غزة، واعتبرها طرفًا أساسيًا في تنفيذ الخطة الشاملة لإنهاء الصراع، وفي إعادة إعمار القطاع بعد تثبيت وقف دائم لإطلاق النار.
كما ثمن البيان دور القاهرة في دعم استقرار ليبيا والسودان، وجهودها في إطار الاتحاد الإفريقي لمعالجة أزمات القرن الإفريقي.
ورحب الاتحاد الأوروبي بالجهود المصرية في تعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة وحرية التعبير، وأكد استمراره في دعم برامج الإصلاح المؤسسي والشفافية ومكافحة الفساد ضمن رؤية مصر 2030.
وأكد البيان دعم الاتحاد الأوروبي للشراكة المائية مع مصر، وتوافق الجانبين على أهمية احترام القانون الدولي في قضايا الأنهار العابرة للحدود، وخاصة ملف سد النهضة الإثيوبي، بما يضمن مبدأ عدم الإضرار.