تجارة وصناعة

القطار السريع للبضائع.. رهان جديد لدعم الصناعة المصرية

تسعى مصر في السنوات الأخيرة لتوسيع قاعدة التصنيع المحلي، مدفوعةً باستثمارات ضخمة في مشروعات البنية التحتية التي تُعد شريانًا رئيسيًا لنمو الصناعة وتسهيل حركة التجارة. وفي قلب هذه المشروعات، يبرز القطار الكهربائي السريع الذي لم يعد يُنظر إليه كمجرّد وسيلة نقل ركاب فحسب، بل كبوابة متكاملة تربط المناطق الصناعية بالموانئ، ما يمهّد الطريق أمام نقلة نوعية في قطاع نقل البضائع، ويُعزز من تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية.

أطلقت مصر مشروع القطار الكهربائي السريع بطول يقارب 2000 كيلومتر ليكون نواة شبكة تربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر أربعة خطوط أساسية، ويخدم في الوقت نفسه نقل الركاب والبضائع معًا، بحسب بيانات الهيئة القومية للأنفاق. ويُعد الخط الأول الذي يربط العين السخنة بالعلمين الجديدة ومرسى مطروح، بطول 675 كيلومترًا، مثالًا عمليًا على تكامل البنية التحتية، إذ يضم محطات لنقل الركاب وأخرى مخصصة للبضائع، ضمن خطة تستهدف إحياء دور السكك الحديدية في الشحن الثقيل.

ومع نهاية أكتوبر 2024، دخلت مصر مرحلة التنفيذ العملي بإنتاج تسع قطارات ركاب سريعة وجرارين حديثين لنقل البضائع من طراز Vectron، بسرعة تصل إلى 120 كيلومترًا في الساعة، وهو ما أكده تقرير نشره موقع اليوم السابع عن تجارب التشغيل الدقيقة التي خضع لها الجرار داخل مصانع Siemens بألمانيا قبل نقله إلى مصر. وصرّحت الهيئة القومية للأنفاق بأن هذه الجرارات تمثل نقلة نوعية في كفاءة التشغيل، وتدعم توجهات الدولة في التحول نحو نظم نقل أكثر استدامة.

من جانب آخر، أشار الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، إلى أن هذا المشروع يربط بين الموانئ البحرية الكبرى مثل السخنة والإسكندرية ومرسى مطروح، ما يقلل الاعتماد على النقل البري ويخفض التكاليف والانبعاثات، بحسب تقرير نشرته جريدة الوطن. ويعزز ذلك من فرص رفع كفاءة الصادرات المصرية وتيسير حركة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وهو ما يتسق مع رؤية الدولة لتعزيز الصناعات التصديرية.

وتعكس الأرقام الرسمية قدرة المشروع على إحداث تحول هيكلي في قطاع اللوجستيات، حيث أوضح البنك الدولي أن مصر نجحت خلال السنوات الخمس الماضية في رفع حجم البضائع المنقولة عبر السكك الحديدية من نحو 4.6 مليون طن سنويًا إلى حوالي 25 مليون طن. ومع تشغيل خطوط القطار السريع، من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بدعم من الطاقة الاستيعابية للشبكة الجديدة.

وفي سياق متصل، أكدت بيانات Siemens Mobility أن العقد الموقع مع الهيئة القومية للأنفاق يشمل تصنيع 41 قاطرة شحن من طراز Vectron، و41 قطارًا سريعًا للركاب، إضافةً إلى 94 وحدة إقليمية من طراز Desiro، وذلك ضمن استثمار يُقدَّر بنحو 23 مليار دولار، مما يجعله أضخم مشروع نقل سككي في إفريقيا حتى الآن.

ويعزز إدراج الشحن ضمن المشروع من جاذبية الاستثمارات الصناعية بالمناطق الجديدة، إذ يُتوقع أن يخلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة على طول مسار القطار، ويحفز توسع المناطق الصناعية، وهو ما أكده النائب الأول لرئيس Siemens Mobility لشمال إفريقيا فيصل شعبان خلال جولة تفقدية لمركز الاختبارات في ألمانيا مايو الماضي، حيث أشار إلى أن المشروع قطع شوطًا كبيرًا وأن خطة دمج الشحن تجعله أكثر تكاملاً مع الأهداف الصناعية لمصر.

مع اقتراب المرحلة الأولى من التشغيل الفعلي لشبكة القطار السريع، تتجه الأنظار إلى كيفية استغلال هذه البنية التحتية الضخمة لدعم نقل البضائع والصناعات المرتبطة به. وفي ظل مؤشرات قوية على تزايد الطلب على وسائل نقل لوجستية أكثر كفاءة وأقل كلفة، يُتوقع أن يتحول مشروع القطار الكهربائي السريع من مجرد وسيلة تنقل متطورة إلى أداة استراتيجية تُعيد رسم خريطة النقل والتجارة والصناعة في مصر لعقود مقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *