
تشهد إثيوبيا في السنوات الأخيرة سلسلة من الفيضانات الموسمية العنيفة، نتيجة التغيرات المناخية وزيادة معدلات هطول الأمطار، مما يثير تساؤلات عديدة حول تأثير هذه الظواهر الطبيعية على مشروع سد النهضة، أحد أكبر المشاريع المائية في إفريقيا وأكثرها إثارة للجدل إقليميًا.
وفي ظل هذه الظروف، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الفيضانات من ظاهرة طبيعية إلى تهديد حقيقي للبنية التحتية، والأمن المائي لدول المصب، لاسيما مصر والسودان.
تقع إثيوبيا في منطقة مرتفعة وتتميز بمواسم أمطار غزيرة تمتد من يونيو حتى سبتمبر، حيث تهطل كميات ضخمة من المياه، خاصة على الهضبة الإثيوبية التي تُغذي النيل الأزرق. هذه الأمطار تؤدي سنويًا إلى فيضانات جارفة تؤثر على المناطق الزراعية والسكنية، وتُحدث أضرارًا بالبنية التحتية.
وخلال السنوات الأخيرة، ازدادت حدة هذه الفيضانات، مدفوعة بتغير المناخ، مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة، بما في ذلك تشريد آلاف السكان وغرق مساحات واسعة من الأراضي.
يقع سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، المصدر الرئيسي لأكثر من 80% من مياه نهر النيل، ويعتمد في ملئه على مياه الأمطار الموسمية المتجمعة في الهضبة الإثيوبية. وبينما تُسهم الفيضانات في تسريع معدلات التخزين في السد، فإنها تضع في الوقت ذاته ضغطًا كبيرًا على بنيته الإنشائية، خاصة إذا حدثت في توقيتات غير متوقعة أو بكميات تفوق الطاقة التصميمية.
وحذّر بعض الخبراء من أن استمرار الفيضانات دون أنظمة صرف وتحكم فعالة قد يُعرض جسم السد للخطر، لا سيما في حال وجود تصدعات أو أخطاء إنشائية.
ورغم أن إثيوبيا تؤكد متانة السد وقدرته على استيعاب هذه الكميات، إلا أن الشفافية المحدودة في البيانات الفنية تُبقي هذه المخاوف قائمة.
تؤثر الفيضانات في إثيوبيا بشكل غير مباشر على مصر والسودان. ففي حال امتلاء السد بشكل سريع بسبب تدفقات غير متوقعة، قد تضطر إثيوبيا إلى تمرير كميات كبيرة من المياه دون تنسيق مع دول المصب، مما قد يتسبب في فيضانات مدمرة في السودان، أو يربك خطط المياه في مصر.
وفي ظل غياب اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث بشأن ملء وتشغيل السد، تزداد المخاوف من أن تتحول الفيضانات الموسمية إلى أداة ضغط أو ورقة سياسية في هذا الملف الحساس.