أخر الأخبار الجانبيةعالم

العقوبات الاقتصادية الدولية سلاح بيد الغرب وأمريكا

تُعد العقوبات الاقتصادية أداةً محورية في السياسة الخارجية للدول الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة وأوروبا، ورغم أنها غالبًا ما تُقدّم على أنها وسيلة سلمية للضغط على الحكومات، فإن آثارها السلبية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل الجوانب الإنسانية والاجتماعية، فأصبحت أداة سياسية وسلاحًا يُستخدم من قِبل الغرب وأمريكا ضد الدول التي تُعارض سياساتها.

فمع ازدياد التوترات وقراراتَ الحكومات وسلوكها على الساحة الدولية ، تُستخدم العقوبات بشكل متزايد، لدرجة أنها أصبحت تُطبق الآن على ما يقارب من ربع دول العالم، وتُعد العقوبات الأمريكية الأشد فتكًا، وذلك لقدرة واشنطن على فرضها خارج حدودها الإقليمية، مستغلةً هيمنة الدولار الأمريكي على المعاملات المالية العالمية، هذه السيطرة تُمكّن الولايات المتحدة من عزل دول بأكملها عن النظام المالي العالمي، مما يؤدي إلى تدهور حاد في أوضاعها الاقتصادية والمعيشية.

ويُشير الخبراء إلى أن العقوبات الأحادية، التي تُفرض دون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي الأكثر ضررًا، ففي حين أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على ضرورة أن يتم اتخاذ مثل هذه الإجراءات عبر مجلس الأمن، فإن الدول الكبرى تتجاوز هذه القاعدة بشكل روتيني، مما يجعل هذه العقوبات غير قانونية وتُلحق أضرارًا جسيمة بالمدنيين.

روسيا وإيران

وتعتبر كل من روسيا وإيران مثالًا بارزًا على كيفية استخدام العقوبات كسلاح ضغط، فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بدأت الولايات المتحدة في استخدام آليات مالية لملاحقة ما وصفتهم بـ”الإرهابيين”، ومع مرور الوقت، توسعت هذه الآليات لتشمل عزل دول بأكملها عن النظام المالي العالمي، مثلما حدث مع إيران.

وبالمثل، بعد حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة مجموعة واسعة من العقوبات التي هدفت إلى عزل روسيا عن النظام المالي العالمي، والحد من أرباح قطاع الطاقة لديها، هذه العقوبات، التي أضيفت إلى العقوبات المفروضة منذ عام 2014 بعد ضم القرم، أدت إلى انخفاض حاد في قيمة الروبل.

إن العقوبات الاقتصادية تُشكل ضغوطاً هائلة على الاقتصاد الوطني لأي دولة تفرض عليها، حيث تؤثر بشكل مباشر على قيمة العملة المحلية، وتترافق هذه الآثار السلبية عادةً مع ظاهرة هروب رؤوس الأموال، مما يزيد من تآكل الاحتياطيات النقدية، حيث تُسفر القيود التجارية وتجميد الأصول عن انخفاض حاد في قيمة هذه العملة، وتُضعف

العقوبات ثقة المستثمرين في اقتصاد الدولة، مما يُقلل من الطلب على عملتها ويُفاقم من التضخم، فعلى سبيل المثال، إذا كانت دولة ما تعتمد على صادرات النفط وتخضع لعقوبات، فإن انخفاض إيراداتها سيُؤدي إلى استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي، مما يُسرّع من انهيار قيمة عملتها المحلية.

ولا تقتصر آثار العقوبات على الدولة المستهدفة فقط، بل تمتد إلى دول الجوار التي ترتبط معها بعلاقات تجارية قوية، فالمستثمرون يميلون إلى سحب رؤوس أموالهم من هذه الدول، خوفًا من المخاطر المحتملة، مما يُضعف من عملاتها هي الأخرى.

وعلى الجانب الآخر، تزداد قوة عملات الملاذ الآمن مثل الذهب والدولار الأمريكي والفرنك السويسري والين الياباني خلال فترات التوترات السياسية، فيلجأ المستثمرون إلى هذه العملات في بحثهم عن الاستقرار والأمان، مما يُؤدي إلى ارتفاع قيمتها مقابل العملات الأخرى.

برغم كونها أداة اقتصادية في ظاهرها، تُستخدم العقوبات كسلاح ضغط سياسي فعّال، بهدف إحداث أضرار اقتصادية مباشرة تُجبر الدولة المستهدفة على تغيير سياساتها، ويفترض واضعو العقوبات أن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين سيُفضي إلى اضطرابات سياسية أو تغيير في النظام الحاكم، وهذا ما يُفسر سبب استهداف العقوبات الأمريكية والأوروبية المباشر لاقتصادات الدول، وتوسيع نطاقها لتشمل عزلها الكامل عن الأنظمة المالية العالمية.

التكيف مع العقوبات

ومع ذلك، أثبتت بعض الدول قدرتها على التكيف مع هذه العقوبات من خلال تطوير أنظمة مدفوعات بديلة، وزيادة الاعتماد على شركاء تجاريين غير تقليديين، هذه الاستراتيجيات طويلة الأجل تُضعف من فعالية العقوبات، وتُغيّر من تدفقات العملات العالمية، مما يُشير إلى سعي هذه الدول للتخلص من هيمنة عملات الاحتياطي التقليدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *