مصر

«الطريق الإقليمى» يسير عكس اتجاه البنية التحتية العملاقة

خطة مكثفة وصيانة بتكلفة مليار جنيه..

لم تكن الحادثة التي راح ضحيتها 19 مواطنًا على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية مفاجئة في نظر الكثيرين، فالمشهد الذي تحول إلى مأساة مروعة حين اصطدمت سيارة ميكروباص تقل عاملات شابات بشاحنة نقل ثقيل على الطريق الإقليمي قرب مركز أشمون، يعد امتداداً لسلسلة مؤلمة من الحوادث الدامية التي يشهدها هذا الطريق الحيوي منذ سنوات، رغم كونه أحد أبرز مشروعات البنية التحتية التي نفذتها الدولة ضمن خطة شاملة لتطوير شبكة الطرق القومية. هذا التناقض بين حجم الإنجاز في تطوير الطرق واستمرار نزيف الأرواح، يفرض تساؤلات جادة حول مدى مواءمة شبكات الطرق الجديدة لمعايير السلامة الحقيقية، وليس فقط لمعدلات التنفيذ والتكلفة.
وما بين شبكات طرق حديثة تمتد آلاف الكيلومترات، وتكرار لحوادث قاتلة على طرق من المفترض أن تكون أكثر أمانًا، تتكشّف فجوة واضحة بين ما تم إنجازه على مستوى الإنشاءات، وما هو مطلوب على مستوى الأمان المروري والبشري. الطريق الإقليمي، الذي كان حلمًا في تخفيف الضغط عن المحاور القديمة، بات يحمل لقب “طريق الموت”. فهل نتحرك الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم سنظل نعد ضحايا الطريق ونمنحهم تعويضات دون أن نعالج جذور الخلل؟ الطريق إلى الأمان لا يمر فقط عبر الأسفلت، بل عبر رؤية شاملة تعلي من قيمة الإنسان قبل الحجر.
فمنذ عام 2014، نفذت وزارة النقل طفرة غير مسبوقة في قطاع الطرق والكباري، ضمن المشروع القومي للطرق الذي استهدف إنشاء 7000 كم من الطرق الجديدة، أُنجز منها حتى الآن 6500 كم، بتكلفة إجمالية تُقدّر بـ175 مليار جنيه، إلى جانب تطوير ورفع كفاءة أكثر من 8500 كم من الشبكة القديمة بتكلفة 130 مليار جنيه.
وتم تدشين طرق استراتيجية مثل طريق الجلالة، وتوشكي – شرق العوينات، والطريق الدولي الساحلي، بالإضافة إلى مشروعات محاور النيل والكباري والأنفاق. وكان من أبرز ما أُنجز، الطريق الدائري الإقليمي الذي يُعد من أطول الطرق الجديدة، حيث يتجاوز طوله 400 كم ويخدم آلاف المركبات يوميًا، ويهدف لتقليل الضغط المروري عن الطرق القديمة.
لكن على أرض الواقع، تبدو الصورة أكثر قتامة. فبرغم كل تلك المشروعات، ما زالت الحوادث القاتلة تتكرر على الطريق الإقليمي بشكل مثير للقلق، لا سيما في نطاق مركز أشمون الذي صار مسرحًا لحوادث شبه دورية. فالحادث الأخير الذي حصد أرواح 19 مواطنة ليس الأول، إذ سبقته حوادث مشابهة بنفس الموقع الجغرافي، مما يكشف خللاً في بنية الطريق، أو في الحد الأدنى من معايير الأمان، أو في الرقابة الميدانية عليه.
البرلمان المصري لم يقف صامتًا، حيث تقدّم النائب كريم طلعت السادات ببيان عاجل إلى رئيس الوزراء ووزير النقل، منتقدًا ما وصفه بـ”القصور المزمن” في هذا الممر الحيوي، وطالب بتشكيل لجنة هندسية لفحص وتقييم حالة الطريق، خاصة في القطاع الرابط بين السادات وأشمون والطريق الصحراوي، مشيرًا إلى غياب الإنارة، وضعف الإشارات التحذيرية، ووجود حفر وتشققات، فضلاً عن السماح بمرور شاحنات نقل ثقيل متهالكة تهدد حياة المواطنين.
من جانبه، قرر وزير النقل كامل الوزير العودة من زيارة رسمية وتفقد الطريق بنفسه، معلنًا خطة مكثفة تشمل صيانة عاجلة بتكلفة تقارب مليار جنيه، إضافة إلى تركيب نيوجرسي وفصل حارات الحركة، وزيادة الردارات وضبط المخالفين (900 مخالفة سرعة في 4 ساعات فقط)
التقارير الرسمية تشير إلى تراجع في عدد الوفيات على الطرق بنسبة 10.3% خلال عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث انخفضت من 5861 إلى 5260 حالة وفاة، كما انخفض معدل الوفيات إلى 4.9 لكل 100 ألف نسمة. ومع ذلك، فإن عدد الإصابات ارتفع بنسبة 7.5% ليصل إلى 76,362 حالة. الأرقام تكشف عن مفارقة: تراجع طفيف في الوفيات يقابله ارتفاع في الإصابات، ما يعني أن المعالجة لم تُحدث التأثير المطلوب، خصوصًا في الطرق السريعة والإقليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *