مصر

الطرق التي لا تنام… كيف تحرس منظومة الطوارئ الذكية حياة المصريين ليلًا؟

تبدأ منظومة الطوارئ على الطرق السريعة عملها الحقيقي، في قلب الظلام، بينما يخلد ملايين المصريين إلى الراحة، تتحول شبكة الطرق في مصر إلى شرايين نابضة لا تهدأ، تُراقَب من خلال أعين ذكية لا تنام، وجهود بشرية وفنية تسابق الزمن للاستجابة لأي طارئ قد يهدد الأرواح أو يربك حركة المرور.
في هذا التقرير، نصحبكم في جولة داخل غرف العمليات والتحكم المركزية التابعة لمنظومة النقل الذكي، لنكشف كيف تدار منظومة الطوارئ طوال الليل بدقة متناهية، ونتتبع نتائجها الملموسة على الأرض.
من داخل غرف التحكم في منظومة النقل الذكي (ITS)، حيث تصطف الشاشات العملاقة وتبث الكاميرات عالية الدقة صورًا مباشرة من الطرق، يعمل مهندسون وفنيون ومشغلون في تناغم تام، لا يغمض لهم جفن.
تغطي المنظومة حاليًا 7 طرق محورية بطول 1187 كيلومترًا، منها الطريق الدائري، والصحراوي، والقاهرة – الإسكندرية، والطريق المؤدي إلى بورسعيد، مع خطة طموحة للتوسع إلى 14 طريقًا إضافيًا بإجمالي 5000 كيلومتر خلال السنوات القادمة، بحسب ما أكده مسؤولو وزارة النقل.
تتألف منظومة الطوارئ من بنية تحتية متطورة تشمل كاميرات حرارية واستشعارية ترصد السرعات المفاجئة والتوقفات غير المتوقعة، وترتبط مباشرة بغرف المراقبة المركزية عبر شبكة اتصالات مؤمنة وفعالة، كما تم تزويد الطرق بلوحات إلكترونية لتحذير السائقين من الأحوال الجوية أو أي عراقيل مرورية مفاجئة، عند وقوع أي حادث، يتم تحديد موقعه بدقة باستخدام نظام التتبع العالمي GPS، ويبدأ التنسيق الفوري مع وحدات الشرطة والإسعاف والحماية المدنية.
ومن أبرز الإضافات الأخيرة على المنظومة، اعتماد نظام الملصق الإلكتروني الذكي RFID، الذي يتيح التعرف الفوري على هوية المركبات وربطها بمنصة رقمية دون الحاجة لإيقافها في الكمائن، مما يعزز من سرعة الاستجابة ويقلل من التكدسات على الطرق.
في إحدى ليالي الشتاء على طريق القاهرة–الإسكندرية، لاحظ أحد مشغلي الغرفة توقف سيارة في حارة الطوارئ. خلال لحظات، أُطلق تنبيه تلقائي للأجهزة الأمنية والإسعاف الموجودة في الغرفة، وتم إرسال وحدة طوارئ مجهزة إلى الموقع بعد تحديده بدقة.
يقول أحمد، مشغل غرفة المراقبة: “الكاميرات تنبهنا فورًا، فلا ننتظر بلاغًا من السائق، فنحن نرى كل شيء في الوقت الحقيقي”.
ويضيف محمود، قائد سيارة إسعاف: “بفضل النظام، أحيانًا نصل إلى موقع الحادث في أقل من خمس دقائق، وهو وقت حاسم لإنقاذ الأرواح”.
في تصريح سابق، قال الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، إن الوزارة تستهدف تصنيع ألف تريلا جديدة لتنظيم النقل الثقيل، وتقليل الأعباء على شبكة الطرق، إلى جانب تعزيز عناصر الأمان داخل منظومة النقل الذكي، بما يحقق تكاملًا بين البنية التحتية والتكنولوجية.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات السلامة، حيث انخفض عدد الوفيات الناتجة عن الحوادث في عام 2024 إلى 5,260 حالة، مقارنة بـ 5,861 حالة في 2023، بنسبة تراجع بلغت 10.3%، في حين ارتفعت الإصابات إلى 76,362، بزيادة قدرها 7.5%. كما تحسّنت نسبة “قسوة الحوادث” إلى 6.9 وفاة لكل 100 مصاب مقارنة بـ 8.3 في العام السابق.
ورغم هذا التقدم، ما زال العنصر البشري يمثل التحدي الأكبر، إذ تُعزى نحو 80% من الحوادث إلى أخطاء بشرية مباشرة، وفق تقديرات خبراء النقل.
وقد دعت النائبة فريدة الشوباشي، عضو لجنة النقل بمجلس النواب، إلى ضرورة “تفعيل الرقابة المرورية المتنقلة، وتكثيف حملات التوعية، لا سيما بين الشباب، حول سلوكيات القيادة وأخلاقيات استخدام الطرق”.
وتؤكد وزارة النقل أن تطبيق منظومة النقل الذكي أسهم في خفض عدد الحوادث على الطرق السريعة بنسبة تصل إلى 40%، استنادًا إلى تقارير دولية من منتدى الاقتصاد العالمي، رغم استمرار الضغط الناتج عن ارتفاع الكثافة المرورية في محافظات مثل القاهرة والدقهلية.
المنظومة الذكية لإدارة الطوارئ على الطرق ليست مجرد كاميرات وأجهزة، بل نظام متكامل يعمل على مدار الساعة لحماية الأرواح وضمان سيولة الحركة. إلا أن نجاح هذه المنظومة يظل مشروطًا بوعي السائقين، والتزامهم بقواعد المرور، وبتكامل أدوار الجهات الرقابية والتوعوية. فالطريق نحو بيئة مرورية أكثر أمانًا يتطلب شراكة بين التكنولوجيا والإنسان، وبين الدولة والمجتمع، حتى تستمر “الطرق التي لا تنام” في أداء دورها كخط دفاع أول عن حياة المصريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *