ملفات وحوارات

الطبقة المتوسطة تغرق بينما يعوم الجنيه… ما قدرتها على الصمود؟

قبل أن تبدأ الدولة برنامجها للإصلاح الاقتصادي عام 2015، كان الذي يتقاضى في الشهر خمسة آلاف جنيه فأكثر يدخل في فئة الطبقة المتوسطة، غير أنّ هذه الطبقة تلاشت تقريبًا مع بدء البرنامج الذي زاد الضغوط على الأسرالمصرية.

كان بإمكان من يتقاضى ذلك الراتب أن يدخر منه، بعد دفع فواتيره وشراء حاجاته، فضلاً عن مصاريف المدارس، في أسرة من أربعة أفراد. وكان الجنيه يتداول عند 7.7 جنيه للدولار الواحد قبل بدء ذلك البرنامج، لكنّ خفض قيمته أكثرمن مرة ضرب هذه الطبقة في مقتل، حتى انهار إلى رقم غير مسبوق في تاريخه متجاوزا حاجز ثلاثين جنيها للدولارالواحد، ليرتفع التضحم إلى مستويات قياسية، ويزيد سعر السلع الغذائية بنسبة 37,9 في المئة، وفق الأرقامالرسمية، وإن كانت الأرقام غير الرسمية تشير إلى أرقام أكبر من تلك.

وتعرض الاقتصاد المصري إلى هزات عنيفة ومتتالية، بدايةً من الأزمات السياسية وفترات الاضطراب الأمني، مرورًا بجائحة كورونا وانتهاءً بالحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا اللتين تستورد مصر منهما القمح، كما كانتا مصدراأساسيا للسياحة إلى مصر.

وأدى الأداء المضطرب للجنيه أمام الدولار، وتراجعه في السوق السوداء إلى 38 جنيها للدولار الواح، إلى تفاقم أزمةالتضخم، فقد وصلت نسبته الحقيقية إلى 88 بالمئة، وفق ما يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز فيميريلاند، ستيف هانك، وهو متخصص في التضخم البالغ الارتفاع.

وأمسى أفراد الطبقة المتوسطة، التي يفترض أن تشكل القلب النابض لأي اقتصاد واعد، يرزحون تحت وطأة هذه الأزمة الخانقة، وصاروا محاطين بالفقر من كل اتجاه، على نحوٍ يجبرهم على تغيير نمط حياتهم بما يتماشى مع قيمة الدخل، فمنهم من قرّر إلغاء أي عطلات خارج البلاد لضبط مصروف العائلة، وكثيرٌ منهم بات يشكو عدم قدرته علىدفع أقساط المدارس الخاصة للأبناء.

وعبر كثير من المنتمين إلى هذه الطبقة عما حدث لهم بأنه يشبه حالمن هبطت به الأرض فجأة وأصبح مضطراللتنازل عن كل شيء، فبعدما كانوا يعيشون حياةًمكتفيةصار كل ما يشغلهمسعر الخبز والبيض، حتى الالتزامالصارم بشراء الاحتياجات الأساسية فقط، لم يعد كافيا للاستمرار.

وفقا للبنك الدولي، يعيش ثلث سكان مصر تحت خط الفقر، بينما أفراد الثلث الآخرمعرّضون لأن يصبحوا فقراء“.

وفي تصريحات لوكالة فرانس برس، يقول أحمد هشام المسؤول في مؤسسةأبواب الخيرإن جمهورا مختلفا بات يطرق أبواب المؤسسة، في إشارة إلى أفراد الطبقة المتوسطة، موضحا أن كثيرًا منهم كانت لديه مدخرات يحتفظ بها من أجل الأبناء أو حتى للمستقبل، وقد صار اليوم يلجأ إلى تلك المدخرات لتغطية مصاريف صحية أو احتياجاتيومية“.

معظم هؤلاء يعمل في القطاع الخاص ويكسب ما بين أربعة آلاف الى ستة آلاف جنيه شهريا، وقد كانوا يستطيعونمن قبل تغطية احتياجاتهم بهذه المكاسب، حتى إنّ بعضهم كان مخيّرًا بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارسوفقا للمتحدث.

ومع أنّ الأمر اكتسب طابعًا ساخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي عجّت بعبارات ورسومات تتندّر على ما يعيشهأبناء هذه الطبقة، يخبر هشام عن بُعدٍ دراميٍ بالقوللأنها لأول مرة يقعون في هذا الموقف، يكون الأمر صعبا عليهم ويكادون لا يصدقون أنهم يتلقون مساعدة من مؤسسة خيرية“.

وتشرف الحكومة على برنامجتكافل وكرامةالذي يقدم دعما نقديا شهريا للأسر الأشد فقرا إلى جانب الدعمالموجه للمواطنين عبر بطاقات التموين، لكنّ هؤلاء المنتمين إلى الطبقة الوسطى لا تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة، على الرغم من أنهم أصبحوا غير قادرين على تأمين حاجات معيشتهم الأساسية، وفقا للباحثة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة هدى عبد العاطي التي تقول في تصريحاتلـفرانس برسإن هؤلاء الذين لم يكونوا قريبين من خط الفقر يمكن أن يقتربوا أكثر وأكثر منه بسبب التصاعدالكبير في التضخم“.

إزاء هذه الأزمة، يتعين على الحكومة دعم الفئات المتوسطة والفقيرة من خلال توسيع برنامج التحويلات النقدية(تكافل وكرامة) في أقرب وقت ممكن، وفقا لزميل السياسات فيمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، تيموثي قلدس، الذي يقول إن القيمة السوقية للجنيهكانت تشهد تدهورا على مدى سنوات حيث ساعد التضخم على تآكلقيمته الحقيقية“.

ولم تغب أزمة الطبقة المتوسطة عن مجلس النواب، الذي طالب عدد من أعضائه بضرورة التكاتف من أجل حمايةهذه الطبقة من الانحدار إلى الطبقات الأدنى، فقد حذر النائب محمد زين الدين، من اختفائها، إن المبادرات التي يقوم بها المجتمع المدني في توفير الاحتياجات لا يجب أن تتوقف عند مناطق أو تستهدف فقط محدودي الدخل،ولكن أيضا يجب أن تضع نصب أعينها الطبقة المتوسطة حرصا عليها من التآكل.

أما النائبة صفاء جابر عيادة، فقد ذكرت في طلب إحاطة بشأن ازدياد معاناة وأوجاع الطبقة المتوسطة في مصر خلال السنوات الأخيرة، أن هذه الطبقةهي عماد التنمية الاقتصادية وصفوة الموارد البشرية الفعالة في أي مجتمع، وهي صمام الأمان لأي مجتمع (…) وهي الطبقة التي ينتمي إليها 60 بالمئة من المصريين، وتسعى جاهدةً نحو مستقبلأفضل لها ولأبنائها منها المهندس والطبيب والضابط والمدرس والمحامي والمهني المجتهد.

وشددت على أن هناك ضرورة مُلحة في ظل الغلاء العالمي الفاحش وتزايد الحاجات، إلى وجوب الحفاظ على الطبقة المتوسطة، حتى لا تتآكل تدريجيًا، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء، مطالبة بضرورة منح حزمة من برامج الحماية الاجتماعية من أجل الحفاظ على الطبقة المتوسطة التي هي رمانة ميزانالمجتمع، حسب تعبيرها.

من جهته اقترح النائب مصطفى بكريالذي سبق أن حذر من أنالطبقة الوسطى تعاني ومهددة بالتآكل“- خطة عاجلة يجب على المسؤولين النظر إلى بنودها محاولة تطبيقها لتخطي الأزمة الحالية، تضمنتحماية المواطنينمن بطش وجشع التجار، وحماية الطبقة المتوسطة التي تعاني من الأعباء الاقتصادية، حيث راتب المواطن الذييحصل على 6 آلاف لا يكفي معه الشهر في ظل الغلاء الفاحش“.

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي عبّر في نوفمبر الماضي خلال تصريحات تلفزيونية عن عدم رضاه عن مستوىالرواتب التي يتلقاها الموظفون، وقال إنالمرتبات متدنيةوأقل من 10 آلاف جنيه لأي حد لن يستطيع العيش“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *