أخر الأخبار الجانبيةاقتصاد

الصكوك مقابل الأراضي: أداة تمويل سيادية تتسع عالميًا… ومصر تدخل على الخط

كتب طه نبيل

في ظل تصاعد الحاجة إلى أدوات تمويل مرنة ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، تتجه دول عدة حول العالم نحو استخدام الصكوك السيادية المضمونة بالأراضي كخيار استراتيجي يجمع بين تعظيم الاستفادة من الأصول الحكومية وتحفيز الاستثمار طويل الأجل.

واليوم، تدخل مصر رسميًا هذا المسار بخطوة وصفها خبراء بأنها “نوعية”، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التمويل غير التقليدي.

ما هي الصكوك مقابل الأراضي؟

تعتمد هذه الأداة على استخدام أراضٍ مملوكة للدولة كضمان لإصدار صكوك سيادية، دون بيع الأرض نفسها.
يُمنح حملة الصكوك “حق الانتفاع” لفترة محددة، ويُستخدم العائد من تأجير أو استثمار هذه الأرض لتوفير أرباح منتظمة للمستثمرين، بما يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحرّم الفائدة.

تجارب دولية رائدة

من ماليزيا إلى إندونيسيا وتركيا، أثبتت التجارب أن استخدام الأصول العقارية في إصدار الصكوك يوفر تمويلًا مستدامًا دون الضغط على الموازنة أو التفريط في أصول الدولة.

ماليزيا، باعتبارها أكبر سوق للصكوك في العالم، طبّقت هذا النموذج بشكل متقدم منذ عام 2010، عندما أصدرت صكوكًا سيادية بقيمة مليار دولار، بضمان أراضٍ حكومية استراتيجية في كوالالمبور. تم نقل حق الانتفاع بهذه الأراضي إلى حملة الصكوك عبر شركة ذات غرض خاص، على أن تعود إلى الدولة في نهاية فترة الإصدار.

التجربة الماليزية أكدت أن الصكوك مقابل الأراضي ليست فقط وسيلة تمويل، بل أداة لتنشيط سوق العقارات، وتحقيق التوازن بين السيادة المالية والانضباط الشرعي

إندونيسيا: الصكوك الخضراء على أراضٍ حكومية

أطلقت الحكومة الإندونيسية عدة إصدارات من الصكوك السيادية، بعضها مخصص لتمويل مشروعات خضراء، بالاستناد إلى أصول عقارية تابعة للدولة، مثل مباني الوزارات، والمنشآت التعليمية. وقد جذبت هذه الإصدارات مستثمرين دوليين، خصوصًا من الدول الخليجية الباحثة عن أدوات استثمارية متوافقة مع الشريعة وذات أثر بيئي إيجابي.

تركيا: تعظيم أصول الدولة غير المستغلة

في إطار خطة لتقليص العجز وتحسين كفاءة الأصول العامة، أصدرت تركيا صكوكًا مدعومة بأراضٍ مملوكة للخزانة العامة، وجرى تأجيرها إلى جهات حكومية تشغيلية مقابل عوائد تمثل أرباحًا لحملة الصكوك. النموذج التركي يعكس توجّهًا نحو استخدام الصكوك كجزء من سياسات إدارة الدين السيادي بشكل متوازن.

مصر تدخل مرحلة التنفيذ

في خطوة عملية وغير مسبوقة، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025، بتخصيص 41 ألف فدان من أراضي الدولة في محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في إصدار الصكوك السيادية وخفض الدين العام.

عبد الهادي: تمويل شرعي يحفظ الأصول ويعزز الثقة

قال الدكتور محمد عبد الهادي، الخبير في التمويل الإسلامي، إن الطرح المصري سيكون جاذبًا للأسواق الخليجية، نظرًا لما تمثله الصكوك من أداة تمويل معتمدة في العديد من الدول لخفض الدين العام، إلى جانب كونها أداة تُستخدم في تمويل المشروعات وتوسعتها من قبل الشركات.

وأضاف عبد الهادي أن “لا خوف على الأصول المطروحة في الصكوك”، مؤكدًا أنها تخضع لقواعد التمويل الإسلامي التي تقوم على المشاركة في الربح وتحمل الخسارة، ما يعزز ثقة المستثمر دون التفريط في أصل الأصول ذاتها.

وأشار إلى أن الحكومة ستُفصح حتمًا عن تفاصيل المشروع الذي سيُطرح عليه الصك، لا سيما إذا كان سيُسبق بمشروعات تنموية على الأرض المخصصة تتناسب مع موقعها الحيوي.
كما أوضح أن الطرح الجديد لا يحتاج إلى تشريع إضافي، نظرًا لوجود قانون خاص بالفعل بالصكوك تم بموجبه إصدار أول صك في 2023.

شوقي: أداة جاذبة ومستقرة

من جهته، قال الدكتور أحمد شوقي سليمان إن الصكوك ليست مجرد أداة تمويل إسلامي، بل أصبحت من أبرز المنتجات المالية الجاذبة عالميًا، وتستخدمها دول مثل إنجلترا وألمانيا.

“الصكوك، وخصوصًا صكوك الإيجار، تمنح المستثمرين حق الانتفاع دون الإخلال بملكية الدولة، ما يجعلها أداة مستقرة ومرنة.”

نافع: تمويل آمن يحفظ السيادة

وأكد الدكتور مدحت نافع أن تخصيص الأرض للصكوك يمثل توجهًا إيجابيًا.

“الصكوك تتيح للدولة الاستفادة من الإيرادات دون التخلي عن الأصول، وهي آلية تمويل تحافظ على الأصول الاستراتيجية وتقلل الاعتماد على القروض التقليدية.”

خطة تمويل طموحة لعام 2025

كان وزير المالية، أحمد كجوك، قد كشف أن الحكومة تعتزم إصدار صكوك سيادية بقيمة ملياري دولار خلال 2025، ضمن خطة لتوسيع قاعدة المستثمرين وتنويع أدوات التمويل.

وتجري مصر بالتوازي محادثات مع دول خليجية مثل السعودية وقطر والكويت لجذب استثمارات جديدة في قطاعات حيوية مثل السياحة والطاقة والبنية التحتية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *