
مع دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية، يزداد القلق بشأن تداعيات “النظام الجديد” الذي يسعى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لترسيخه، والذي يبدو أنه سيمنح سوريا دوراً محورياً على حساب إيران، وتتصدر هذه المخاوف قمة “ترامب” المرتقبة مع إسرائيل في السابع من الشهر الجاري، والتي يُتوقع أن تنهي الحرب في غزة، في خطوة ستكون بمثابة “هدية” للنظام السوري الجديد الذي أنهى تقارب دمشق مع طهران.
سوريا تعود للمشهد.. رفع للعقوبات وإعادة تموضع إقليمي:
في خطوة مفاجئة تُنهي 21 عاماً من العزلة الاقتصادية، رفع “ترامب” رسمياً العقوبات المفروضة على سوريا في 30 يونيو الماضي وجاء هذا القرار بموجب أمر تنفيذي ألغى حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 2004، مما يفتح الباب أمام رفع جميع العقوبات الإضافية التي فُرضت على دمشق، ودخل الأمر حيز التنفيذ في 1 يوليو الجاري.
فلقد بررت الإدارة الأمريكية هذه الخطوة بـ”تغيير تدريجي” في سوريا خلال الأشهر الستة الماضية، مدفوعاً بـ”إجراءات وصفت بالإيجابية” اتخذتها الإدارة الجديدة المؤقتة بقيادة “أحمد الشرع”، بعد سقوط نظام “بشار الأسد” أواخر العام الماضي، وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، “كارولين ليفيت”، أن القرار يهدف إلى “تعزيز ودعم مسار الاستقرار والسلام في سوريا”.
ولكن، وعلى الرغم من ترحيب الحكومة السورية بالقرار على لسان وزير خارجيتها “حسن الشيباني”، الذي وصفه بـ”نقطة تحول مهمة” نحو إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، إلا أن هذا التحول يثير العديد من علامات الاستفهام، فقد أبقى الأمر التنفيذي على العقوبات المفروضة على مسؤولين سابقين في النظام السوري، و”تنظيم داعش”، ومنتهكي حقوق الإنسان، وأنشطة الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك الرئيس السابق “بشار الأسد”، الذي فر إلى روسيا.
مخاوف من مساومات جيوسياسية:
لا يمكن فصل رفع العقوبات عن أهداف إدارة “ترامب” الأوسع في الشرق الأوسط، والتي تركز على توسيع ما يطلق عليها “اتفاقيات إبراهيم” التي تركز على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد أشارت صحيفة “فاينانشال تايمز” إلى أن تخفيف العقوبات يتماشى مع هذه الأهداف، حيث “تتوقع الولايات المتحدة من سوريا المشاركة في اتفاقيات إبراهيم”.
الأمر الذي يزيد من هذا القلق هو تصريحات وزير خارجية الكيان الإسرائيلي “جدعون ساعر”، الذي أكد اهتمام إسرائيل بضم سوريا ولبنان إلى “دائرة السلام والتطبيع” هذه، ويهدف “ترامب” من خلال هذا الإجراء إلى توسيع حلفائه في المنطقة وكبح نفوذ إيران، التي يُنظر إليها على أنها الخاسر الأكبر من هذه التحولات.
نهاية مرتقبة للحرب في غزة بضغوط ترامب:
إن الحرب المدمرة على قطاع غزة ليست مجرد “عقبة” أمام إحلال السلام، بل هي جريمة مستمرة تمزق نسيج المنطقة وتجعل أي حديث عن الاستقرار مجرد سراب، وفي ظل هذه المجازر اليومية، تُطرح تساؤلات جدية حول القيمة الحقيقية لقمة “ترامب” مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، فكيف يمكن التفاؤل بنتائج مفاوضات حول وقف إطلاق النار بينما تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في حصد أرواح المدنيين، كما حدث في الهجوم الأخير الذي أودى بحياة أكثر من 70 بريئًا؟ إن المنطقة بحاجة إلى ضغط دولي حقيقي لوقف العدوان، وليس لقاءات دبلوماسية تُستخدم لتجميل صورة الاحتلال وتمرير أجندات لا تخدم إلا مصالح القوة المحتلة.
وإذا كان “ترامب” جادًا في التوسط بين إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب، كما صرح في 27 يونيو الماضي، بأن وقف إطلاق النار “وشيك” وقد يتم التوصل إليه “خلال الأسبوع المقبل”، فهذا في حد ذاته يثير تساؤلات حول طبيعة الضغوط التي سيمارسها “ترامب” لإنهاء هذا الصراع، وما هي التنازلات التي قد ستُقدم من جميع الأطراف، وتحديدا الأطراف الفلسطينية.
القلق من «رجل ترامب القوي».. ماضي «أحمد الشرع» يطرح تساؤلات:
أثار تولي “أحمد الشرع” السلطة في سوريا في ديسمبر 2024، بعد الإطاحة بـ”بشار الأسد”، ترحيباً من إدارة “ترامب”، التي وصفته بـ”الرجل القوي” و”المقاتل”، ومع ذلك، فإن ماضي “الشرع”، المعروف سابقاً بـ”أبو محمد الجولاني” وقائد هيئة تحرير الشام المرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة، يثير مخاوف جدية، وعلى الرغم من أنه نأى بنفسه علناً عن القاعدة وأعاد تسمية جماعته، إلا أن هذا الجانب يظل محل متابعة دقيقة من قبل الدول الإقليمية، والمجتمع الدولي، لضمان عدم تحول سوريا إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية.
كما أن قانون قيصر، وهو قانون أقره الكونغرس، يُبقي على بعض العقوبات المفروضة على سوريا ولا يمكن إلغاؤها بالكامل إلا من خلال تشريع، وليس فقط من خلال الإجراءات التنفيذية، وهذا يعني أن الرفع الكامل والشامل للعقوبات سيكون عملية مطولة تتطلب تنسيقاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة، مما قد يؤثر على مدى استقرار الوضعالاقتصادي في سوريا على المدى الطويل.
إيران تواجه العزلة.. هل تنجح خطة ترامب؟
تُشير كل هذه التطورات إلى سعي “ترامب” لعزل إيران عن المنطقة، بالتزامن مع الضغط من أجل تفكيك برنامجها النووي بالكامل، وعلى الرغم من أن “ترامب” لم يستبعد إمكانية إعفاء إيران من العقوبات إذا “صُححت أفعالها السابقة”، “حسب قوله”، إلا أن المرشد الإيراني أظهر موقفاً حازماً، ما ينذر بمزيد من التوتر في المنطقة.
إن هذه التحولات الجذرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط تثير قلقاً عميقاً بشأن استقرار المنطقة ومستقبلها، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية واحتمال ظهور تحديات جديدة تتطلب يقظة دولية مستمرة.
هل تعتقد أن النظام الجديد الذي يسعى “ترامب”، لترسيخه سيحقق الاستقرار المرجو في الشرق الأوسط، أم أنه سيثير المزيد من التعقيدات؟
اقرأ أيضا: مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون ترامب للضرائب والهجرة