
بينما تتسارع رياح التوتر في الشرق الأوسط، وتتصاعد التهديدات بين القوى الكبرى، تتخذ الولايات المتحدة خطوة حاسمة بسحب جزء من موظفيها من المنطقة، هذا القرار ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو مؤشر على تفاقم أزمة دبلوماسية وأمنية مع إيران، التي يبدو أن مفاوضاتها النووية وصلت إلى طريق مسدود، ففي ظل تحذيرات متزايدة من صراع إقليمي أوسع، يتساءل الكثيرون: هل نحن على وشك رؤية شرارة صراع جديد في منطقة تحمل تاريخًا طويلًا من الاضطرابات؟
الانسحاب والتهديدات المتبادلة
أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أمس الأربعاء، أن عملية إجلاء الموظفين الأمريكيين من الشرق الأوسط تأتي بسبب أن المنطقة قد تكون مكانًا خطيرًا، مجددًا التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
ووفقًا لوكالة “رويترز”، تستعد الولايات المتحدة لتقليص جزئي لوجود سفارتها في العراق والسماح لأفراد عائلات العسكريين بمغادرة مواقع في الشرق الأوسط.
كما أذنت وزارة الخارجية الأمريكية بالمغادرة الطوعية من البحرين والكويت، وحدثت تحذيرها الخاص بالسفر إلى منطقة “الشرق الأوسط”، ليعكس التطورات الأخيرة، مشددة على أمر المغادرة للموظفين الحكوميين غير الأساسيين نتيجة لتصاعد التوترات الإقليمية.
المحادثات النووية.. طريق مسدود
يتزامن قرار الإجلاء مع جمود في المحادثات الهادفة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وأعرب ترامب عن ثقة أقل في التوصل إلى اتفاق يوقف تخصيب اليورانيوم، وهو مطلب أمريكي رئيسي،.
وصرح ترامب في بودكاست “بود فورس وان” التابع لـ”صحيفة نيويورك بوست”: “يبدو أنهم يماطلون، وهذا أمر مؤسف، أنا الآن أقل ثقة مما كنت عليه قبل شهرين”.
من جانبها، تصر “إيران” على أن برنامجها النووي سلمي، وقد ذكرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة عبر منصة “إكس” أن التهديدات باستخدام القوة الساحقة لن تغير الحقائق: إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، والتسليح الأمريكي يؤجج عدم الاستقرار فحسب.
رد فعل إيران والوضع الأمني الإقليمي
كان قد حذر وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، من أن إيران سترد بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة إذا تعرضت لهجوم. وقال: “إذا فُرض الصراع علينا، فإن خسائر الخصم ستكون بالتأكيد أكبر من خسائرنا، وفي هذه الحالة على أمريكا أن تغادر المنطقة لأن كل قواعدها في متناول أيدينا”.
وعلى الرغم من التحذيرات الأمريكية، فقد نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مصدر حكومي عراقي قوله إن بغداد لم تسجل أي مؤشرات أمنية تستدعي الإخلاء، ولم يطرأ تغيير على عمليات قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.
تداعيات إقليمية ومخاوف متصاعدة
شهدت أسعار النفط ارتفاعًا بأكثر من 4% بعد تقارير الإجلاء، حيث وصل سعر خام برنت إلى 69.18 دولارًا للبرميل، مما يعكس قلق الأسواق من تداعيات التصعيد، كما حذرت “وكالة الملاحة البحرية البريطانية” من أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى زيادة النشاط العسكري، مما قد يؤثر على حركة الملاحة في الممرات المائية الحيوية مثل “الخليج العربي”، و”خليج عمان”، و”مضيق هرمز”.
وتصاعدت التوترات داخل العراق منذ بدء الحرب على “قطاع غزة” في أكتوبر 2023، حيث شنت فصائل مسلحة مدعومة من “إيران” هجمات متكررة على القوات الأمريكية، وشهد العام الماضي تبادلًا لإطلاق النار بين “إسرائيل، وإيران”، وهي أول هجمات مباشرة من نوعها بينهما.
تحذيرات أمنية إضافية
أصدرت السفارة الأمريكية في القدس المحتلة اليوم الخميس تحذيرًا أمنيًا يقيد حركة موظفيها، حيث يُمنع موظفو الحكومة الأمريكية وأفراد عائلاتهم من السفر خارج تل أبيب، القدس، وبئر السبع، حتى إشعار آخر، مع السماح بالتنقل بين تلك المواقع وإلى مطار تل أبيب أو عبر الطريق السريع المؤدي إلى الحدود الأردنية في الضفة الغربية المحتلة.
في ظل هذه التطورات المتسارعة والتهديدات المتبادلة، يبدو الشرق الأوسط، على مفترق طرق خطير، وبينما تستمر المحادثات النووية في الجمود، وتتصاعد حدة التوتر العسكري، تبقى الأنظار متجهة نحو التداعيات المحتملة لهذا التصعيد، هل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة، أم أن المنطقة تتجه نحو مواجهة غير محسوبة قد تغير ملامحها للأبد؟