عالم

السويداء تتأرجح بين الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية.. هل يصمد اتفاق التهدئة؟

تشهد الساحة السورية، وتحديدًا محافظة السويداء، تصعيدًا ملحوظًا في التوترات الأمنية والسياسية، وتأتي هذه التطورات في ظل اشتباكات عنيفة شهدتها المحافظة، وتدخلات إسرائيلية غير مسبوقة، مما وضع المحافظة في بؤرة الاهتمام الإقليمي والدولي. هذه التطورات المعقدة كشفت عن شبكة متداخلة من المصالح المحلية والإقليمية، ودفعت بجهود مكثفة نحو التهدئة وإعادة الاستقرار.

خطاب رئيس الإدارة الانتقالية السورية “أحمد الشرع”:

في خضم هذه الأحداث المتسارعة، ألقى رئيس الإدارة الانتقالية “أحمد الشرع”، اليوم الخميس، خطابًا محوريًا للشعب السوري، أكد فيه على وحدة الشعب وتصميمه في مواجهة التحديات، مشددًا على أن الشعب السوري قدم “تضحيات كبيرة من أجل الحرية والكرامة”، ومستعد دائمًا “للقتال دفاعًا عن كرامته”.

واتهم “الشرع” الكيان الإسرائيلي بالسعي “لزعزعة استقرار سوريا ونشر الفتنة”، محاولًا “تقسيم الشعب وإضعاف قدرته على إعادة البناء”، ورفض رئيس الإدارة الانتقالية “أي محاولات للانفصال أو التقسيم”، مؤكدًا أن السوريين “هم الأقدر على تجاوز هذه المؤامرات”، ودعا “الشرع” جميع السوريين إلى “الاتحاد حول دولتهم والعمل معًا لبناء مستقبل مزدهر”، مؤكدًا أن “الوحدة هي السلاح الأقوى”.

وفي رسالة خاصة لأهل السويداء من الدروز، أكد “الشرع” أنهم “جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني”، وأن الدولة ترفض “أي محاولات لجرهم إلى أطراف خارجية أو إحداث انقسام بينهم”، وأشار إلى أن الدولة السورية تدخلت لوقف الاقتتال الداخلي في السويداء، الذي نجم عن “خلافات قديمة ومجموعات خارجة عن القانون”، وشدد على أن التدخلات الإسرائيلية “استهدفت المنشآت المدنية والحكومية لتقويض جهود الدولة في استعادة الأمن”، مما أدى إلى “تصعيد كبير”.

وفي هذا السياق، لفت رئيس الإدارة الانتقالية إلى أن “الوساطة الأمريكية والعربية والتركية ساهمت في إنقاذ المنطقة من مصير مجهول”، وأكد على حرص الدولة على “محاسبة من تجاوز وأساء لأهل السويداء”، وأن “القانون والعدالة يحفظان حقوق الجميع”، مشددًا على أهمية “الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها لضمان مستقبل مزدهر لأبناء سوريا”.

السويداء.. اشتباكات داخلية دموية واتهامات متبادلة:

شهدت محافظة السويداء اشتباكات عنيفة ودامية بدأت يوم الأحد الماضي، تركزت بشكل خاص في حي المقوس، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين وعناصر الأمن، وأشارت التقارير إلى أن هذه المواجهات اندلعت بين مجموعات مسلحة من العشائر الدرزية والبدوية، مع “مشاركة نشطة” لبعض أفراد قوات الأمن الحكومية في دعم البدو، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وبدأ الصراع إثر سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة، بعد أن أقام أفراد من إحدى العشائر البدوية حاجزًا هاجموا فيه وسرقوا بائع خضار درزي.

وأعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الأثنين أن قوات الأمن الحكومية دخلت السويداء فجرًا لاستعادة النظام، واصفة الوضع بـ”تصعيد خطير” ناتج عن “فوضى أمنية” في ظل غياب المؤسسات الرسمية المختصة، وقد أبدت فصائل من الأقلية الدرزية في السويداء شكوكها تجاه السلطات الجديدة في دمشق بعد فرار الرئيس “بشار الأسد” وسيطرة هيئة تحرير الشام، بقيادة “أحمد الشرع”.

تصعيد إسرائيلي غير مسبوق.. غارات جوية وتهديدات مباشرة:

في تصعيد خطير يضاف إلى تعقيدات المشهد السوري، شنت إسرائيل أمس الأربعاء غارات جوية قوية على دمشق، واستهدفت “مجمع وزارة الدفاع والقصر الرئاسي”، كما نفذت ضربات في السويداء ومناطق أخرى، هذه الهجمات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية.

وعلى المستوى السياسي، لوّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أمس الأربعاء بتصعيد عسكري ضد ما أسماه “النظام السوري الجديد” بقيادة أحمد الشرع، مؤكدًا أن إسرائيل “لن تسمح بتكرار سيناريو جنوب لبنان على حدودها الشمالية”، كما وصف وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” الإدارة السورية بـ”التنظيم المتطرف العنيف”، ودعا وزير شؤون الشتات “عميحاي شيكلي” إلى “القضاء فورًا على أحمد الشرع”.

هذه التهديدات جاءت بعد ضربات جوية إسرائيلية استهدفت دبابات وناقلات جند مدرعة تابعة للجيش السوري في السويداء، بهدف “ضرب قوات النظام ومنع نقل الأسلحة إلى الجنوب”.

ردود فعل سورية ودولية.. إدانات ودعوات للتهدئة:

أدانت وزارة الخارجية السورية “العدوان الإسرائيلي الغادر” بأشد العبارات، وحملت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير وتداعياته، مشددة على احتفاظها بحقوقها المشروعة في الدفاع عن أرضها وشعبها، ودعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياتهما واتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد للعدوان الإسرائيلي المتكرر.

على الصعيد الدولي، أدانت جمهورية مصر العربية الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا وما تشكله من انتهاك سافر لسيادة البلد العربي الشقيق وخرق لقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وشددت على الأهمية البالغة لاحترام سيادة سوريا، والرفض الكامل للتدخل في شئونهما الداخلية، وأكدت على ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضيها، وأكدت على أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة من شأنها تعميق حدة التوتر وتمثل عنصرا أساسيًا لعدم الاستقرار في سوريا والمنطقة، في ظل ظرف دقيق تُبذل فيه جهود إقليمية ودولية حثيثة بمشاركة مصرية فعالة لخفض التصعيد ودعم الأمن والاستقرار الإقليمي.

من جانبها طالبت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومة السورية بسحب قواتها من محافظة السويداء بهدف السماح بخفض التصعيد، كما أعرب وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” عن قلقه البالغ إزاء الضربات الإسرائيلية في سوريا، وطلبت إدارة “ترامب” من إسرائيل وقف هجماتها وفتح حوار مع حكومة دمشق، داعية إلى التهدئة.

اتفاق السويداء.. بارقة أمل لوقف العنف:

في محاولة لاحتواء الأزمة، أعلن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز “يوسف جربوع” عن التوصل إلى اتفاق شامل بين الدولة السورية ووجهاء محافظة السويداء، يهدف إلى إنهاء التوترات الأخيرة وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، ويشمل الاتفاق “وقفًا فوريًا لإطلاق النار وعودة القوات العسكرية إلى ثكناتها”، مع تشكيل “لجنة مشتركة” للإشراف على التنفيذ، كما ينص الاتفاق على “نشر قوات الأمن الداخلي والشرطة”، و”تنظيم الأسلحة الثقيلة غير المصرح بها” بالتعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع، و”دمج السويداء بالكامل ضمن الدولة السورية” لتعزيز سيادة الدولة وتفعيل مؤسساتها.

وفي تأكيد على الموقف الرسمي، صرح وزير الإعلام السوري “حمزة المصطفى” أن اتفاق السويداء “لا يختلف عن الاتفاقيات الماضية وتعاد صياغته من جديد من قبل الدولة”، مشددًا على أن “كل بقعة من الأراضي السورية لا يمكن أن تكون إلا ضمن سوريا الموحدة”.

ويبقى السؤال الآن: هل ستصمد اتفاقية السويداء في ظل هذه التعقيدات؟ وهل ستتراجع حدة التهديدات والعمليات الإسرائيلية، أم أن المنطقة تتجه نحو تصعيد أكبر؟

اقرأ أيضا: «تصاعد التوتر في سوريا».. غارات إسرائيلية وقلق أمريكي وتحركات عسكرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *