أخر الأخبار الجانبيةعالم

السودان.. «حربٌ تُمزّق وطنًا» وتدفع بشعبه نحو المجهول

تتجدّد المأساة في السودان، مُلقيةً بظلالها على واقعٍ بات أكثر قتامةً وتعقيدًا، خيّمت فيه صوت المدافع، لتُسكت أصوات الحياة، مُحدثًة دمارًا يُنذر بخرابٍ لا يُحصى، وتدفع بشعبه نحو المجهول.
يُعد الوضع الحالي في السودان بمثابة أزمة إنسانية متفاقمة، تتجاوز كونها مجرد صراع مسلح…، بل إنها صراعٌ يُعاني فيه شعبٌ بأكمله، يُساق قسرًا إلى دوامة العنف التي لا ترحم، وسط حجم الفقدان الذي يطال الأرواح والأحلام على حدٍ سواء، فتُزهق الأرواح وتُدفن الآمال ويتهاوى المستقبل تحت وطأة رصاصة لا تُميّز بين طفل وشيخ.
وفي ظل تصاعد أزمة النزوح الداخلي والخارجي في السودان، فقد أعلنت منظمة “الأمم المتحدة” أن عدد اللاجئين السودانيين قد تجاوز حاجز الـ 4 ملايين شخص منذ اندلاع الحرب في البلاد، ويأتي هذا الإعلان ليؤكد على حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي يواجهها السودان وشعبه، حيث تتزايد أعداد الفارين من جحيم الصراع المسلح.
وفقاً لتصريحات “الأمم المتحدة”، اليوم الثلاثاء، فقد عبر أكثر من 70 ألف لاجئ مؤخرًا إلى دولة “تشاد” قادمين من “السودان”، هذا التدفق الهائل للاجئين إلى الدول المجاورة، يوضح أن القتال لا يزال مستمرًا ومكثفًا في العديد من مناطق السودان، مما يدفع بالمزيد من المدنيين إلى الفرار بحثًا عن الأمان.
وتستقبل دول مثل (مصر، وتشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا) أعدادًا هائلة من اللاجئين، مما يضع ضغطًا هائلاً على موارد هذه الدول وبنيتها التحتية، ويستدعي تدخلات دولية عاجلة لدعم هذه الدول، ومع تزايد أعداد اللاجئين، تتزايد الحاجة إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية، وهي تحديات لوجستية ومالية ضخمة تتطلب استجابة دولية واسعة النطاق.
وفي سياق متصل، أعلن “الجيش السوداني” في وقت سابق “اكتمال السيطرة على العاصمة الخرطوم”، مؤكدًا أن “الخرطوم باتت خالية بالكامل من ميليشيا الدعم السريع”، وقد جدد الجيش عهده للشعب السوداني بمواصلة “تطهير البلاد من ميليشيا الدعم السريع”.
وفي المقابل، ترتكب فيه “ميليشيا الدعم السريع” مجازر وعمليات قتل واسعة النطاق ضد المدنيين، لا سيما في مناطق مثل دارفور (الجنينة، الفاشر، وغيرها) وولايات مثل الجزيرة (ود النورة)، هذه الهجمات المباشرة، تدفع السكان للفرار فوراً لإنقاذ حياتهم وحياة عائلاتهم، حيث يخلق العنف المفرط والمجازر، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتعذيب والنهب الممنهج، بيئة من الرعب تجعل العيش في المناطق التي تسيطر عليها “ميليشيا الدعم السريع” أو تتواجد فيها أمرا مستحيلاً، هذا الخوف يدفع المدنيين للنزوح حتى قبل تعرضهم للاعتداء المباشر، بمجرد انتشار أنباء المجازر.
فقد دمرت “ميليشيا الدعم السريع” أحياء وقرى بأكملها، بما في ذلك المنازل والمحلات التجارية والمستشفيات، هذا التدمير المتعمد ترك السكان بلا مأوى أو سبل عيش، مما أجبرهم على النزوح القسري، وأدت هجمات “الدعم السريع” إلى تدمير أو تعطيل المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والكهرباء، مما جعل الحياة غير ممكنة في المناطق المتضررة وأجبر السكان على البحث عن مناطق تتوفر فيها الخدمات الأساسية.
علاوة على ذلك، تقوم “ميليشيا الدعم السريع” بنهب واسع النطاق للممتلكات الخاصة والعامة، بما في ذلك المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والسيارات والمنازل، هذا النهب الذي يدمر سبل عيش السكان ويتركهم بلا شيء، مما يجعل البقاء في مناطقهم مستحيلاً، أيضا وفي بعض المناطق، منع “الدعم السريع” المزارعين من الوصول إلى حقولهم، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والمجاعة، وهي عوامل رئيسية تدفع السكان للنزوح بحثًا عن الغذاء.
إن مجازر وانتهاكات “ميليشيا الدعم السريع” خلقت بيئة من الرعب والدمار، جعلت الحياة مستحيلة لملايين السودانيين، وأجبرتهم على ترك كل شيء والبحث عن الأمان في الداخل أو في دول الجوار، مما أدى إلى واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.
ويبقى مصير ملايين النازحين واللاجئين هو الشغل الشاغل، فمع استمرار القتال، تتلاشى آمال العودة الآمنة إلى ديارهم، ويزداد اليأس من إيجاد حل سياسي شامل ينهي هذه الأزمة، ووفق “محللين”، أصبح من الضروري على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، والضغط من أجل حل سياسي شامل يعيد السلام والاستقرار إلى هذا البلد الذي مزقته الحرب.
فمع كل قذيفة تنفجر، وكل اشتباك يشتد، تتزايد أعداد النازحين، لتُشكّل قوافل بشرية تبحث عن بصيص أمل خارج حدود الوطن، يترك الآلاف خلفهم كل ما يملكون، مُحملين بذكريات سنواتٍ من الحياة والأحلام في حقائب خفيفة، باحثين عن مأوى في دول الجوار، حيث تتوالى قصص اليأس من المدن التي مزّقتها النيران والقرى التي خلت من أهلها، ويمتد النزوح ويتدفق نحو الحدود في رحلةٍ محفوفة بالمخاطر نحو المجهول، كل وجه شاحب يروي قصة يأس، وكل خطوة متعبة تحمل ثقل الخوف على من بقوا.
فكيف يمكن للمجتمع الدولي أن ينتقل بفعالية من مجرد التعبير عن القلق إلى اتخاذ إجراءات عملية وحاسمة تدفع نحو حل سياسي مستدام، مع الأخذ في الاعتبار تضارب المصالح الإقليمية والدولية التي قد تعيق التوصل إلى هذا الحل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *