أقر مجلس النواب تعديلًا تشريعيًا يمنح المستثمرين الأجانب حق تملك الأراضي الصحراوية، ما فتح باب الجدل على مصراعيه، إذ يرى مؤيدون أنه يزيل المعوقات التي تواجه الاستثمارات الأجنبية، فيما يرى معارضون أنه يشكل تهديدا للأمن القومي.
وكان القانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن تملك الأراضي الصحراوية، يشترط في المادتين 11 و12 ألا تقل ملكية المصريين عن (51%) من رأس مال الشركة، وألا تزيد ملكية الفرد على (20%) من رأس مالها، لكنّ التعديل الجديد صار يسمح للمستثمر الأجنبي تملك الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه أو التوسع فيه بناء على موافقة الجهة صاحبة الولاية على تلك الأراضي، دون التقيّد بهذين الشرطين، مما أثار مخاوف البعض.
ويتخوف المعارضون –نوابًا ومواطنين- من أن يستحوذ الأجانب بموجب هذا التعديل على مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية، خصوصا في ظل التوترات الجيوسياسية المحيطة بالمنطقة، في حين يؤيده آخرون لأنه يسهم في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة اللازمة لنمو الاقتصاد والسيطرة على أزمة النقد الأجنبي، مؤكدين أن هناك ضمانات للحفاظ على الأمن القومي للبلاد.
وتستهدف الدولة جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 12 مليار دولار خلال العام المالي الجاري الذي ينتهي في يونيو 2024، بزيادة قدرها 20 بالمئة عن المحققة خلال العام المالي الماضي، والتي بلغت 10 مليارات دولار، وفقًا لبيانات حكومية.
تهديد الأمن القومي
النائب عاطف مغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب، يعتقد أن مصر ليست في حاجة لمثل هذه التعديلات في الوقت الحالي، خاصة أنها دائما ما كانت تتوخى الحذر في تمليك الأراضي للأجانب خلال السنوات الماضية، موضحا أنه “كان من الأفضل أن يتم الاستثمار في الأراضي الصحراوية بحق الانتفاع بدلا من التمليك”.
وقال مغاوري في تصريحات صحفية، أنه سجل رفضه للتعديلات في جلسة البرلمان، مبيّنًا “ما تمثله التعديلات من تهديد للأمن القومي المصري، خاصة أن ما يزيد على 90 بالمئة من مساحة مصر أراضٍ صحراوية، والمناطق الحدودية أيضا صحراوية، وتمليكها للأجانب يشكل خطرا”.
لكنّ رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، الدكتور محمد عطية الفيومي، قلّل من تلك المخاوف، قائلًا إن كل دول العالم تمنح المستثمرين حق تملك الأراضي لإقامة مشروعات إنتاجية، حتى إن بعض الدول تمنح الأراضي مجانية للمستثمرين لتشجيع جذب استثمارات ضخمة يعود بالنفع على الاقتصاد.
وشدد الفيومي، على أنّ منح الحق للمستثمر الأجنبي في الحصول على الأراضي الصحراوية لتنفيذ مشروعات إنتاجية، يسهم في زيادة الناتج القومي، وتوفير المزيد من فرص العمل، وزيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي لتحقيق الاستقرار في سعر صرف النقد.
أما النائب محمد عبد العليم داوود، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد فأكد رفض القانون “مليون مرة”، لافتا إلى أنه يؤيد تشجيع الاستثمار “لكن ليس ببيع الأراضي وتملكها للأجانبّ”. وتساءل “ماذا لو جاء شخص صهيوني يملك جنسية أخرى ومدعوم من دول أخرى لشراء أراضٍ مصرية!”.
وتابع: “ماذا فعلنا حين قررنا تشجيع الاستثمار؟ بعنا الشركات للخارج وأجرنا المواني، فهربت أموال الاستثمار المصري إلى الخارج، نحن نفكر داخل الصندوق فقط، لا نفكر خارجه، مع أن لدينا عقولا يحترمها العالم، واليوم نبيع أراضي ونُملّكها للخارج”.
وبحسب قانون الأراضي الصحراوية، يجوز لرئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس الوزراء، أن يقرر معاملة حاملي جنسيات الدول العربية معاملة المصريين في تملك الأراضي.
الخوف على سيناء
وقال النائب عاطف مغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، إنه يمكن الالتفاف على اشتراط القانون أن يكون المستثمر من دولة عربية من خلال استخدام كيانات أجنبية لوكيل عربي لشراء مساحات واسعة من الأراضي في مصر.
وتابع “مثل هذه القوانين لا تشجع على الاستثمار. فهو يأتي في مناخ متكامل ووفقا لاحتياجات الدولة في قطاعات مستهدفة، كما أنّ مشروع القانون لم يحدد نوع الاستثمار مثلا في القطاع الزراعي، حيث من الممكن أن يقوم المستثمرون بشراء الأراضي لإنشاء مدن سكنية، ومصر تعاني من كساد في القطاع العقاري (لذلك) كان من الأفضل أن تلتزم الحكومة بقرارات المجلس الأعلى للاستثمار لخلق مناخ جاذب للاستثمار في مصر “.
من جهته، أكد النائب هاني أباظة، أهمية ألا يشمل القانون أراضي سيناء لما تمثله من أهمية كبيرة لمصر، وكذلك التأكد من المستثمر الذي يحصل على هذه الأراضي، مشددا على ضرورة التأكد من عدم منح أراضٍ لأي مستثمر له أصول يهودية، لا سيما أن هناك حساسية فيما يتعلق بالأراضي في سيناء.
إلا أن رئيس لجنة الإسكان النائب محمد عطية الفيومي، شدد في تصريحات صحفية على وجود ضمانات أقرها قانون تنظيم تملك الأراضي الصحراوية للحفاظ على الأمن القومي منها: منح الحق لوزير الدفاع في نزع ملكية أية أراضٍ لازمة لشؤون الدفاع عن الوطن، كما أن هناك قانونًا يحظر التملك أو حق الانتفاع للأراضي بشبه جزيرة سيناء لغير المصريين، مؤكدًا ثقته في قدرة الأجهزة الأمنية على التعامل مع أية قرارات تخص الأمن القومي، وفي الوقت نفسه تعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد.
وتابع: “هناك أيضًا إجراءات لمنح الأراضي للمستثمرين تضمن جدية تنفيذ المشروعات أبرزها، تقدم المستثمر بطلب تخصيص أرض لهيئة الاستثمار مرفق به دراسة جدوى للمشروع الذي سيُقام على الأرض، كما يقوم بتحويل تمويل المشروع من الخارج، وحال عدم استكمال تنفيذ المشروع يتم سحب الأرض فورًا”.
لكن داوود، يعتقد أنه “مهما كانت هناك ضمانات للحفاظ على الأمن القومي، قد يكون هناك تحايل أو تلاعب من بعض الجنسيات المرفوضة من قبل الشعب المصري لشراء مساحات واسعة من الأراضي”، مؤكدًا ثقته في الأجهزة الأمنية، “إلا أنه يجب أن نكون أشد حرصًا للحفاظ على الأمن القومي”.
وردًا عليه، شدد المستشار علاء فؤاد، رئيس شئون المجالس النيابية، على أن الحكومة تستهدف من تعديلات قانون الأراضي الصحراوية جذب الاستثمارات، “ولا نبيع أراضينا ولكن نهدف جذب العملة الصعبة من خلال الاستثمارات”.
فرص استثمارية واعدة
في المقابل، قال النائب عمرو درويش، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إن مصر التي وقفت أمام المخطط الحقيقي في العصر الحديث لتصفية المنطقة والقضية الفلسطينية، “لا يمكن التشكيك في أنها سوف تهدد أمنها القومي بتملك الأراضي لغرض الاستثمار”.
وأوضح أن “الأمن القومي المصري خط أحمر، ولا يمكن لأحد في أي جهة أن يقبل بالمساس بالأمن القومي المصري، لكنّ القانون يوفر فرص العمل، ويضع بيئة استثمارية في المجالات الصناعية والزراعية”.
وفي الآونة الأخيرة، سرعت الحكومة المصرية من وتيرة تحركاتها لجذب الاستثمارات الخارجية، ووافق المجلس الأعلى للاستثمار، الذي يرأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مايو الماضي، على مجموعة من القرارات لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد ليتساوى من الاستثمارات الحكومية أو تزيد عليها.
وقال محمد سالم، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة، إن غالبية الأراضي الصحراوية في مصر قابلة للزراعة، مضيفا أن التعديل القانوني الجديد يشجع المستثمرين على صرف أموال في استصلاح الأراضي في سبيل تحقيق عائد على المدى البعيد.
وأضاف سالم في تصريحات صحفية “نحتاج إلى استثمارات ضخمة في استصلاح الأراضي وزراعتها، ما يسمح بتحقيق اكتفاء ذاتي في محاصيل استراتيجية مثل القمح، وزيادة صادرات مصر الزراعية، فتقليل فاتورة مصر الاستيرادية من المنتجات الزراعية وزيادة صادراتها الزراعية سوف يساهم إلى حد كبير في حل مشكلات مصر، خاصة شح العملات الأجنبية”.
وتستهدف مصر زيادة المساحة المزروعة إلى 10 ملايين فدان خلال الموسم الزراعي الحالي 2023/2024، مقابل 9.8 مليون فدان مساحة مزروعة خلال الموسم الزراعي الماضي.
كما تستهدف تحقيق استثمارات كلية بقيمة 1.6 تريليون جنيه في السنة المالية الحالية، وزيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويا خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وجذب استثمارات أجنبية بقيمة 40 مليار دولار بحلول عام 2026، وفقا لبيانات حكومية سابقة.