تجارة وصناعة

الرقمنة ترفع كفاءة القطاع 40% وتخفض الهدر 35%.. «المخازن الذكية» تشعل فتيل الثورة الصناعية الرابعة

تسير مصر بخطى متسارعة نحو رقمنة قطاعها الصناعي، معتمدة على إدارة المخازن الذكية كركيزة أساسية ضمن توجهات الثورة الصناعية الرابعة، في إطار رؤية “مصر 2030”. وفي الوقت الذي بدأت فيه مصانع كبرى بتطبيق أنظمة الأتمتة وربط المخازن بالأسطول اللوجستي، ما تزال المصانع الصغيرة تواجه تحديات تستلزم دعمًا تشريعيًا وماليًا وفنيًا لتمكينها من مواكبة هذا التحول.

وفي هذا السياق، اعتمدت وزارة التجارة والصناعة في مارس الماضي خريطة شاملة لتحديث خطوط الإنتاج والمخازن، عبر “مركز تحديث الصناعة”، الذي قدّم برامج تدريب واستشارات لحوالي 15 ألف مصنع منذ عام 2020. وتستهدف الوزارة رفع نسبة المصانع المميكنة إلى 50% خلال العامين المقبلين، مقارنة بـ 15% حاليًا، مع منح حوافز ضريبية للمصانع التي تطبق أنظمة تتبع المخزون آليًا.

كما كشف تقرير للهيئة العامة للتنمية الصناعية، صدر في يونيو 2025، أن التراخيص الصناعية الجديدة بلغت استثماراتها نحو 48 مليار جنيه خلال العام الماضي، مع توقعات بأن تصل استثمارات الأتمتة وحدها إلى 6 مليارات جنيه خلال عامين، بدعم من إنشاء مجمعات صناعية ذكية ومناطق لوجستية متقدمة.

اللواء مختار عبد اللطيف، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، كشف أن الهيئة انتهت من تأهيل عدد من مصانعها لتطبيق أنظمة إدارة مخازن رقمية تعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء وRFID؛ وهو ما أدى إلى تقليص الفاقد في المخزون بنسبة تجاوزت 30% خلال عام، وخفض زمن تداول المنتجات داخل المستودعات بنسبة 50% مقارنة بالنظم اليدوية التقليدية.

وأكد عبد اللطيف، أن الخطة الحالية تستهدف تعميم هذا النموذج الرقمي على جميع مصانع الهيئة بحلول عام 2026.

وفي القطاع الخاص، نفذت شركة “موبيكا” مشروعًا لرقمنة المخازن رفع دقة الجرد إلى أكثر من 99% وخفّض الهدر بنسبة 20%، فيما طبقت “قنديل للزجاج” نظامًا ذكيًا للمخازن قلّص زمن تجهيز الطلبيات من 5 أيام إلى أقل من 48 ساعة.

وأظهرت دراسة لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، أن 70% من الشركات الصناعية الكبرى تخطط للاستثمار في الأتمتة، فيما تواجه الشركات الصغيرة تحديات أبرزها ارتفاع الكلفة ونقص الكفاءات، وأوصت الدراسة بتوفير حوافز تمويلية وضمانات حكومية لتسريع التحول الرقمي.

من ناحيته، أعلن الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن الوزارة تستعد لإطلاق مشروع قومي يهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية داخل المناطق الصناعية، من خلال نشر شبكات ألياف ضوئية فائقة السرعة في أكثر من 15 منطقة صناعية جديدة، إلى جانب إنشاء مراكز بيانات متطورة تخدم المصانع الكبرى والمناطق اللوجستية.

وأضاف طلعت – خلال كلمته في مؤتمر “مصر الرقمية والصناعة الذكية” الذي عُقد الشهر الماضي- أن الاستثمار في التحول الرقمي للقطاع الصناعي يُحقق عوائد اقتصادية مضاعفة، مشيرًا أن كل جنيه يُضخ في أتمتة المخازن يسهم في زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4 مرات، وفقًا لتقديرات الوزارة.

وفي السياق ذاته، أشار المهندس علاء السقطي، رئيس اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أن أكثر من 80% من المصانع الصغيرة في مصر لا تعتمد على منظومة رقمية متكاملة، ما يجعلها عرضة لهدر الموارد وضعف في الإنتاجية.

ودعا السقطي إلى الإسراع في تفعيل حوافز دمج هذه المصانع في سلاسل التوريد الكبرى، وربط الدعم الحكومي بمدى التزامها بتطبيق الحلول الرقمية.

وتُظهر تقارير صادرة عن البنك الدولي، أن رقمنة المخازن وسلاسل الإمداد في مصر يمكن أن ترفع كفاءة القطاع الصناعي بنسبة لا تقل عن 40%، مع تحقيق وفر سنوي يتراوح بين 20 و25% من التكاليف التشغيلية، إضافة إلى خفض الفاقد والهدر بنسبة قد تصل إلى 35% مقارنة بالطرق التقليدية.

التحول الرقمي في إدارة المخازن يمثل ركيزة أساسية لتعزيز تنافسية الصناعة المصرية، خاصة مع تسارع رقمنة الكيانات الكبرى. ويبقى التحدي في تمكين المصانع الصغيرة والمتوسطة من اللحاق، عبر شراكة فعالة بين الحكومة والقطاع الخاص، مدعومة بدعم مالي وفني وتشريعي يضمن شمول الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *