
عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الأربعاء، ندوة موسعة لمناقشة نتائج تحليل الطلب في سوق العمل المصري خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2025، إلى جانب دراسة معمقة حول تأثيرات التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي على مستقبل الوظائف، تحت عنوان: “الذكاء الاصطناعي في مواجهة البشر.. من ينجو ومن يُستبدل؟”، وذلك برعاية البنك الأهلي المصري.
وأظهر التحليل تراجعًا في الطلب على وظائف الياقات البيضاء خلال الربع الثالث من العام الجاري، مقابل زيادة طفيفة في وظائف الياقات الزرقاء (الحرفية والمهنية). وتركزت أغلب فرص العمل في إقليم العاصمة (القاهرة والجيزة) بنسبة بلغت نحو 83% من إجمالي وظائف الياقات البيضاء، بينما شهد إقليم الوجه البحري نموًا ملحوظًا في الوظائف الحرفية لترتفع حصته من 20% إلى 25% خلال فترة الدراسة.
وأوضحت النتائج أن أصحاب الخبرة أصبحوا الأكثر طلبًا في سوق العمل، مع تراجع فرص حديثي التخرج، فيما تظل درجة البكالوريوس شرطًا أساسيًا لما يقارب 98% من وظائف الياقات البيضاء، في حين يظل التعليم المتوسط هو الأكثر طلبًا في المهن الحرفية.
وأشار التقرير إلى أن قطاع التسويق والمبيعات شهد زيادة في الطلب على الوظائف الحرفية، بينما تراجع قطاع السياحة والضيافة بنسبة تقترب من النصف، خصوصًا في وظائف الاستقبال، فيما استقر الطلب على وظائف التسويق والإعلان وتكنولوجيا المعلومات والعقارات.
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل المهن لا إلغائها
وتناول التقرير تحليلاً معمقًا لتأثير الذكاء الاصطناعي على أربع مهن رئيسية هي: المحاسبة، الصحافة والإعلام، الدعم الفني، والسياحة، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف بالكامل، بل يعيد تشكيل طبيعة المهام داخل كل مهنة.
وأظهرت النتائج أن 58% من مهام المحاسبين قابلة للأتمتة، خصوصًا مهام التسجيل وإعداد التقارير والتدقيق، بينما تبقى المهام الاستشارية والتخطيط المالي أقل تأثرًا. كما تُعد الصحافة والإعلام من أكثر القطاعات عرضة للتأثير، حيث يمكن أتمتة ما يقرب من 72% من المهام مثل التحرير والترجمة، فيما تظل المقابلات والتحقق من المصادر بعيدة عن نطاق الذكاء الاصطناعي.
وفي قطاع الدعم الفني، يمكن أتمتة نحو 51% من المهام، خاصة في خدمات مراكز الاتصال، بينما تظل مهارات التواصل الإنساني وحل المشكلات مطلوبة بشدة. أما في السياحة، فقد أظهرت النتائج أن 56% من المهام قابلة للأتمتة، خصوصًا في مجالات الحجوزات وتصميم البرامج، بينما يظل التواصل المباشر والخبرة الميدانية جوهر العمل السياحي.
وأكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرة كبيرة على التنفيذ السريع والدقة، لكنه يفتقر إلى الجانب الإنساني في التعامل مع السياق والمشاعر، مشددًا على أن دمج التكنولوجيا مع الخبرة البشرية هو السبيل الأمثل للحفاظ على الوظائف وتطويرها مستقبلًا.
تغيرات في مهنة المحاسبة.. وظهور وظائف جديدة
من جانبه، قال ماجد عز الدين، الشريك الإقليمي الأول بمكتب “برايس ووترهاوس كوبرز”، إن الذكاء الاصطناعي لن يلغي مهنة المحاسبة لكنه سيعيد تشكيلها جذريًا، موضحًا أن الأدوات التكنولوجية الجديدة ستمكّن المحاسبين من أداء مهامهم بكفاءة أعلى.
وأشار عز الدين إلى أن المخاطر تتركز في الوظائف المبتدئة، لكن المهنة تشهد تطورًا طبيعيًا مع ظهور تخصصات جديدة مثل استشاري التحول الرقمي، خبير الذكاء الاصطناعي، محلل البيانات، وخبير إدارة المخاطر الرقمية، مضيفًا: “كما ظهرت وظائف جديدة مثل اليوتيوبر والتيك توكر، فإن المهن تتطور وتخلق فرصًا مختلفة”.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي رغم قوته التحليلية لن يتمكن من استبدال العلاقات الإنسانية في بيئة العمل، لافتًا إلى استمرار أهمية الإنسان في اتخاذ القرار وفهم المشاعر والسياق، ومشيرًا إلى استمرار الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل في مصر، خصوصًا مع ظهور تخصصات جديدة لا يغطيها التعليم التقليدي بعد.
الصحافة تتأثر لكنها لا تنتهي
وفي مداخلة له، أكد أكرم القصاص، الكاتب الصحفي، أن الذكاء الاصطناعي غيّر شكل مهنة الصحافة لكنه لن يقضي عليها، موضحًا أن التكيف مع التكنولوجيا هو السبيل الوحيد لاستمرار المهنة وتطورها، وأن المهارات التحريرية والإنسانية ستظل عنصر التفوق للصحفيين في المستقبل.