ملفات وحوارات

الذكاء الاصطناعي في المقدمة.. ماذا وراء طفرة السياحة في مصر؟

تخطو السياحة المصرية بثبات نحو مستقبل واعد، مستفيدة من مؤشرات نمو قوية، وسياسات حكومية محفزة، وتكنولوجيا متطورة تعيد رسم ملامح القطاع.

وبينما لا تزال بعض الوجهات العالمية تعاني تبعات أزمات ممتدة كالجائحة والأوضاع الجيوسياسية، استطاعت مصر أن تحقق انتعاشة غير مسبوقة، مدفوعة بارتفاع أعداد السائحين، وتنامي الإيرادات، وتوسع الاستثمارات، مع إدخال الذكاء الاصطناعي إلى قلب استراتيجيات الترويج السياحي.

نمو غير مسبوق

تشير البيانات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار إلى أن مصر شهدت خلال الربع الأول من عام 2025 زيادة بنسبة 25% في عدد السائحين مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغ عدد السياح الوافدين خلال هذه الفترة 3.9 مليون سائح، ما يعكس تعافيًا كبيرًا للقطاع الذي تأثر في السنوات الماضية بجائحة كورونا والأزمات الدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية.

هذا النمو لم يكن فقط في الأعداد، بل شمل أيضًا معدلات الإشغال الفندقي، التي سجلت زيادة ملحوظة بنسبة 40%، مما أعاد الحيوية إلى مرافق الإقامة وأكد على جاذبية المقصد المصري في مختلف المواسم.

السياحة كمحرّك اقتصادي

لم تتوقف الطفرة السياحية عند حدود الأرقام، بل انعكست بوضوح على مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة في ما يتعلق بإيرادات العملة الصعبة. فقد سجلت السياحة إيرادات بلغت 8.7 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2024-2025، مقارنة بـ7.8 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

كما بلغ إجمالي الإيرادات السياحية في عام 2024 نحو 15.3 مليار دولار، ما يجعلها أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، إلى جانب تحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس.

ومن المؤشرات اللافتة، الارتفاع في عدد الليالي السياحية، الذي بلغ 93.5 مليون ليلة خلال النصف الثاني من 2024، مقابل 83.2 مليون ليلةفي نفس الفترة من العام الذي سبقه، ما يعكس إطالة فترات الإقامة وزيادة الإنفاق الفردي.

دعم وتحفيز للاستثمار

في خطوة تهدف إلى مواكبة الطفرة في الطلب السياحي، أطلقت مصر في أكتوبر 2024 مبادرة تمويلية كبرى بقيمة 50 مليار جنيه لدعم الشركات العاملة في القطاع. تهدف المبادرة إلى زيادة عدد الغرف الفندقية، بتيسيرات تمويلية بفائدة متناقصة قدرها 12%، وبحد أقصى مليار جنيه للعميل الواحد.

وقد حظيت هذه المبادرة بإقبال كبير من المستثمرين، حيث استفاد منها أكثر من 140 مستثمرًا، بإجمالي تمويلات تجاوزت 40 مليار جنيه حتى الآن. ويجري حاليًا التشاور مع الحكومة لزيادة الشريحة التمويلية أو إطلاق نسخة جديدة من المبادرة، لمواكبة النمو في الطلب وتوسيع قاعدة المستفيدين.

في ظل تزايد أعداد السائحين، بات من الضروري التوسع في الطاقة الفندقية، سواء من خلال إنشاء فنادق جديدة أو إعادة تأهيل القائمة منها. وفي هذا السياق، أصدرت وزارة السياحة مؤخرًا قرارًا ينظم شروط وضوابط ترخيص “شقق العطلات” كنمط جديد من الإقامة، مما يتيح خيارات أوسع للمسافرين، خاصة من الفئات الشابة أو العائلات التي تبحث عن تجارب إقامة أكثر مرونة وخصوصية.

سلاح استراتيجي

أحد أبرز التحولات التي يشهدها القطاع السياحي في مصر هو اعتماد وزارة السياحة والآثار على تقنيات الذكاء الاصطناعي في حملاتها الترويجية. ففي تصريحات خاصة، أكد الوزير شريف فتحي أن الذكاء الاصطناعي بات أداة أساسية في استهداف الفئات المختلفة من السائحين، وتصميم محتوى دعائي مخصص بناءً على اهتماماتهم وسلوكهم الرقمي.

وقد نفذت الوزارة حملتين ترويجيّتين بتقنيات الذكاء الاصطناعي، إحداهما حصدت أكثر من 12 مليون مشاهدة كاملة. كما ساعد الذكاء الاصطناعي على استهداف أسواق أوروبية محددة، وحقق الوصول إلى أكثر من 100 مليون مستخدم في أربع دول تابعة للاتحاد الأوروبي، وهو رقم كان يصعب تحقيقه عبر الوسائل التقليدية.

وفي إطار السعي إلى جذب المزيد من الاستثمارات السياحية، تستعد مصر لاستضافة مؤتمر تحت عنوان “دور المصارف العربية في تنمية السياحة العربية” خلال الفترة من 15 إلى 17 نوفمبر 2025، بالتعاون مع المنظمة العربية للسياحة.
يهدف المؤتمر إلى فتح آفاق جديدة للتعاون بين القطاع المصرفي والسياحي، وطرح فرص استثمارية واعدة في البنية التحتية السياحية، بما يضمن استدامة القطاع وتعزيز قدراته.

تنوع لا يُضاهى

تتبنى وزارة السياحة استراتيجية طموحة تحت شعار “مصر.. تنوع لا يُضاهى” (Unmatched Diversity)، تركز على إبراز ما يملكه المقصد المصري من تنوع في المنتجات السياحية، سواء الثقافية أو الشاطئية أو البيئية أو العلاجية.
وتهدف الوزارة إلى تحويل هذا التنوع إلى منتجات قابلة للتسويق، تستهدف شرائح مختلفة من السائحين، وتمنحهم تجارب متكاملة وفقًا لاهتماماتهم، في ظل دعم تقني وتسويقي متطور.

تحديات ومرونة

رغم الأرقام الواعدة، لا تزال السياحة في مصر تواجه تحديات مثل الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، وتقلبات الأسواق العالمية. لكن التجربة الأخيرة أثبتت مرونة القطاع السياحي المصري، وقدرته على التكيف والتعافي بسرعة، خاصة مع وجود دعم حكومي واضح، واستراتيجيات تسويق متقدمة، وتفاعل إيجابي من القطاع الخاص.

إذا ما استمرت المؤشرات الحالية في التحسن، فإن مصر مرشحة لاستقبال أكثر من 17 مليون سائح بحلول نهاية العام المالي الحالي، وهو رقم قياسي جديد، يعزز مكانة مصر كواحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *