راوغ الدولار ملايين المصريين، الأيام الماضية، عندما فقد ما بين خمسة وسبعة جنيهات من سعره أمام العملة المصرية في السوق السوداء، مثيرًا تساؤلات عدة حول الأسباب الكامنة خلف هذا التراجع المفاجئ، قبل أن يعاود التقاط ما سقط منه مرة أخرى.
وانخفض سعر الدولار في السوق الموازية، يوم الخميس قبل الماضي، إلى 46 و47 جنيها بدلا من 52 جنيها في اليوم السابق له بسبب الهدوء المفاجئ على شرائه من بعض المتعاملين، ما أدى إلى انخفاضه، لكنه عاد ليقترب مما كان عليه قبل هذا التراجع.
وتواجه مصر منذ مارس من العام الماضي، أزمة في نقص النقد الأجنبي نتيجة خروج أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وارتفاع فاتورة الواردات نتيجة زيادة الأسعار عالميًا.
الفجوة تتسع
واتسعت الفجوة بين سعر الدولار في السوق السوداء والبنوك بنحو عشرين جنيها وأكثر حيث سجل بنهاية التعاملات بالقطاع المصرفي أمس الخميس قرب 31 جنيها وهو سعر ثابت عليه من مارس الماضي وحتى الآن، فيما يسجل في السوق السوداء أكثر من خمسين جنيها.
بل إن السيارات في السوق المصرية يجري تسعيرها حاليا عند 55 جنيهًا للدولار، وفقا لتصريحات منتصر زيتون عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية.
كان الدولار ارتفع مقابل الجنيه بشكل رسمي بالبنوك بنسبة 96 بالمئة خلال آخر 21 شهرا على 3 موجات بعد عودة البنك المركزي مجددا لسياسة تحرير سعر الصرف بعد الحياد عنها خلال عامي جائحة كورونا 2020 و2021.
وقال متعاملون في السوق السوداء للبورصجية إن أنباء تجديد ودائع دول خليجية لدى البنك المركزي واعتماد عدد كبير من المستوردين على البنوك في توفير متطلباتهم ساهم في حد الطلب على العملة خلال الأيام الماضية، كما ساهمت تصريحات الحكومة بشأن اقتراب انتهاء أزمة العملة، والتقارير حول تأجيل قرار تحرير سعر الصرف، في تراجع الطلب على العملة.
وأظهرت أحدث بيانات البنك المركزي، أن الإمارات جدّدت وديعة بقيمة مليار دولار في البنك المركزي حتى يوليو 2026، كما جددت الكويت وديعة بقيمة 4 مليارات دولار، مقسمة إلى شريحتين. إحداهما تنتهي بقيمة مليار دولار في أبريل المقبل، بينما تنتهي الثانية في سبتمبر 2024.
وأفاد تقرير البنك المركزي بارتفاع الودائع القصيرة الأجل من 14.9 مليار دولار في مارس الماضي إلى 15.4 مليار دولار حتى يونيو المقبل. وفي أكتوبر الماضي، زادت احتياطيات العملات الأجنبية لدى مصر بمقدار 131 مليون دولار، حيث بلغت 35.1 مليار دولار.
وأظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزي أن الدين الخارجي للبلاد انخفض إلى حوالي 164.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2023، مقارنة بـ 165.3 مليار دولار بنهاية مارس الماضي.
التعويم الجديد
وتزايدت توقعات بنوك ومؤسسات دولية بإقدام الحكومة خلال الأسابيع المقبلة، على الموافقة على تعويم الجنيه، ما قد يرفع الدولار إلى مستوى قياسي جديد.
فقد توقع بنك “مورغان ستانلي” اتخاذ الحكومة قرار تعويم الجنيه بشكل تدريجي أو مرحلي، بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، ضمن استكمال تنفيذ برنامجها الاقتصادي، الذي يشمل خصخصة بعض الشركات الحكومية، وخفض الديون الخارجية.
وتوقع البنك في تقريره، أنه إذا تزامن قرار تحرير سعر صرف الجنيه تدريجيا، مع الموافقة على حزمة تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي، والحصول على حزم من التمويلات الإقليمية، ومن مؤسسات التمويل الدولية متعددة الأطراف، ليصل التمويل المتوقع إلى 7 مليارات دولار، فإن ذلك سوف يؤدى إلى تخفيف ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وإلى حدوث انتعاش متواضع في تدفقات الاستثمارات الأجنبية.
ويراهن مستثمرون في سوق المشتقات المالية الدولية، على أن مصر ستضطر إلى السماح بانخفاض سعر الجنيه 40 بالمئة أخرى خلال العام المقبل، ليصل سعر الدولار إلى ما بين 49 و50 جنيها، مقارنة بنحو 30.85 جنيها حاليا.
وتوقع بنك “إتش إس بي سي” تعويم الجنيه إلى ما بين 40 إلى 45 جنيها للدولار في الربع الأول من عام 2024، مقارنة بالتوقعات السابقة التي قدرت قيمة الجنيه بين 35 إلى 40 للدولار.
كما توقع خبراء مصرفيون أن يتراوح سعر الجنيه أمام الدولار بين 39 و50 جنيها فى السوق الرسمية، فى حال حدوث تحرير جديد لسعر الصرف وإن كانت أغلب التوقعات ترجح حدوثه في يناير أو خلال الربع الأول من العام المقبل.
فيما استبعد مصرفيون آخرون، اتجاه البنك المركزي إلى تحرير أسعار الصرف، لأن التعويم حاليا سيؤدي إلى قفزة جديدة في سعر الدولار في السوق الموازية، وعودة التضخم إلى المؤشر التصاعدي مجددا.
تمويلات متوقعة
وتواجه مصر فجوة تمويلية خلال العام المالي الحالي 2023 / 2024، قدرها 7 مليارات دولار، بحسب تقرير لمعهد التمويل الدولي، الذي يتوقع أن يتم تمويل هذه الفجوة بشكل أساسي، من خلال التدفقات المالية الرسمية، والاستثمار الأجنبي المباشر.
وأوضح المعهد أن حصول مصر على تمويلات إضافية من صندوق النقد الدولي سوف يساعد البلاد على تجنب المزيد من الانخفاض في الاحتياطيات الرسمية.
وكانت تقارير أفادت بأن الحكومة تعمل مع الصندوق على صياغة اتفاق يضمن لمصر زيادة قيمة القرض من ثلاثة إلى عشرة مليارات دولار.
وتتفاءل الحكومة بقرب حل أزمة الدولار في مصر، استنادًا إلى عدة مؤشرات، أبرزها زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وفقا للخبير المصرفي محمد عبد العال، الذي يلفت إلى زيارة وفد من شركات سعودية إلى مصر خلال الفترة الحالية لبحث الاستثمار في قطاعات اقتصادية متعددة، وما سبقها زيارة وفود من شركات يابانية وصينية وأخرى من جنسيات متنوعة.
أضاف عبد العال، في تصريحات لـ CNN، أن هناك عاملا آخر يتمثل في تدفق تمويلات ضخمة من مؤسسات دولية كبرى، مُشيرًا إلى تصريحات “إيجابية” لمسؤولي صندوق النقد الدولي حول عزم الصندوق زيادة حجم القرض المقدم لمصر دون شروط إصلاحية إضافية، لمساندة الاقتصاد المصري لمواجهة تداعيات الحرب في غزة.
وتجاوز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر أكثر من 10 مليارات دولار خلال العام المالي 2022/2023 بنسبة نمو 12بالمئة، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، وبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر 6.3 مليار دولار في 7444 مشروعًا، حسب بيانات حكومية.
وأشار إلى تقارير حول دراسة الاتحاد الأوروبي ضخ استثمارات بقيمة 9 مليارات يورو في العديد من الأنشطة الاقتصادية في مصر، إلى جانب التمويلات المستقبلية، لافتا إلى حصول مصر على تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار من إصدار سندات دولية، مع تجديد وديعة من دولة الكويت بقيمة 4 مليارات دولار للحفاظ رصيد احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.