
سباق صعود طوال 10 سنوات..
شهد سوق الذهب في مصر خلال العقد الأخير واحدة من أعنف موجات الصعود في تاريخه، محققًا قفزات متتالية جعلته يتحوّل من مجرد زينة إلى ملاذ آمن ووسيلة رئيسية لحفظ قيمة المدخرات، في ظل التحديات الاقتصادية والتقلبات السياسية والنقدية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي.
ففي عام 2015، كان سعر جرام الذهب عيار 21 -وهو الأكثر تداولًا في مصر- يدور من 300 إلى 350 جنيهًا، بينما كان الدولار يساوي 7.5 جنيه. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة الارتفاع التدريجي، التي تسارعت بعد قرارات التعويم الأولى في نوفمبر 2016، حيث تجاوز الذهب وقتها حاجز 600 جنيه للجرام.
ثم جاء عام 2020، ومع جائحة كورونا، تخطى الذهب حاجز الـ900 جنيه، مدفوعًا بزيادة الطلب العالمي والمخاوف من الركود. لكن القفزات الحقيقية بدأت في 2022، تزامنًا مع أزمة الدولار، وشهد السوق طفرة تاريخية في 2023 و2024، حيث قفز السعر إلى أكثر من 2000 ثم 3000 جنيه، ليصل في بعض فترات 2025 إلى 3500 جنيه للجرام الواحد مسجلاً 4570 جنيها وقت كتابة التقرير.
ترتبط أسعار الذهب في مصر بعوامل متعددة، لكن العاملين الحاسمين كانا دائمًا هما سعر صرف الدولار ومعدل التضخم. فكلما ارتفع الدولار مقابل الجنيه، ارتفع الذهب حتى وإن لم يتحرك عالميًا. كذلك، مع كل موجة تضخم، كان المصريون يتجهون لشراء الذهب كأداة لحفظ القيمة.
اللافت أن الذهب في مصر أصبح يعكس ليس فقط سعر الأوقية عالميًا، بل أيضًا “العرض والطلب المحلي”، وهو ما أدى إلى حدوث ما يُعرف بـ”الأوفر برايس”، أي ارتفاع السعر المحلي عن السعر العالمي أحيانًا بفجوة تصل إلى 20%.
ورغم أن البنك المركزي لا يتدخل مباشرة في سوق الذهب، إلا أن قراراته بشأن سعر الفائدة وسعر الصرف وقيود الاستيراد أثرت بقوة على حركة الأسعار. فكلما تم خفض قيمة الجنيه، أو تقييد الاستيراد، ارتفعت أسعار الذهب المحلي بشدة، نتيجة قلة المعروض وارتفاع تكاليف التوريد.
وفي المقابل، ساعدت فترات طرح الشهادات مرتفعة العائد، مثل شهادات الـ25% و 30%، على تهدئة الطلب مؤقتًا على الذهب، حيث جذبت سيولة كبيرة بعيدًا عن السوق.
تبدّل سلوك المصريين تجاه الذهب بوضوح في السنوات الأخيرة. فلم يعد يُشترى فقط للزواج أو الزينة، بل بات كثيرون يرونه وسيلة لحماية مدخراتهم من تآكل القيمة. وانتشرت أنماط جديدة مثل شراء الجنيهات والسبائك بدلًا من المشغولات، التداول عبر تطبيقات ومحافظ ذهبية إلكترونية و الاستثمار في شهادات الذهب البنكية هذه التحولات تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الذهب كأداة مالية، وليس مجرد سلعة.
لم تكن مصر وحدها في هذا الاتجاه. فقد شهدت الأسواق العالمية بدورها موجات ارتفاع في أسعار الذهب، خصوصًا مع تصاعد الأزمات الجيوسياسية، كحرب روسيا وأوكرانيا، والتوترات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى سياسات البنوك المركزية الكبرى التي تذبذبت بين رفع الفائدة وخفضها.
بلغ سعر الأوقية مستويات قياسية في 2024 و2025، متخطية 2300 دولار، مدعومة بمخاوف المستثمرين من الركود والديون العالمية.
رحلة الذهب في مصر من 2015 إلى 2025 لم تكن مجرد تحرك سعري، بل تحوّل في العقلية الاقتصادية للمواطن. ومع تزايد الضبابية الاقتصادية عالميًا، يبدو أن الذهب سيبقى في صدارة أدوات حفظ القيمة، مهما تراجع أو ارتفعت البدائل البنكية مؤقتًا.
ويظل السؤال المطروح الآن: هل ما زال هناك وقت مناسب لشراء الذهب؟ أم أن الأسعار تجاوزت المعقول؟
الإجابة معلقة بتطورات الاقتصاد العالمي والمحلي، لكن المؤكد أن الذهب لم يعد مجرد رفاهية، بل ضرورة عند كثير من المصريين.