تردّدت في الآونة الأخيرة أنباء حول رواج ما يسمى “الدولارات المجمّدة” في السوق السوداء، ما أثار مخاوف وشكوكًا لدى المتعاملين فيها، من وقوعهم في فخاخ عمليات النصب والاحتيال، في وقتٍ يُتوقعُ فيه صدورُ قرارٍ بتحرير جديد لسعر صرف الجنيه.
مصر تبحث طرح سندات وصكوك بالعملات الخليجية لتقليل الاعتماد على الدولار
ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر مسؤولة في بنوكٍ حكومية وخاصة، أن “الدولار المجمّد” هو عملة صحيحة تحمل أرقاما مسلسلة، ويمكن تداولها بشكل طبيعي، لكن خارج الجهاز المصرفي، لأنّها منهوبة ومهربة من دول أخرى، سواء في أوقات الحروب أو الثورات، لذا تم تجميدها من جانب البنك الفيدرالي الأمريكي، بحيث لا يمكن صرفها أو التعامل بها داخل القطاعات المصرفية المختلفة، بناءً على توجيهات واتفاقات عالمية مع البنوك المركزية الأخرى.
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإنّ البنوك لا تستلم الدولارات من العملاء بشكل عشوائي، بل تفحصها جيدًا بواسطة موظفين أكفاء ومدربين (تيلر)، للتأكد من تطابق الدولارات مع الأرقام المسلسلة، ووفقا لتواريخ الإصدار الحديثة. وهؤلاء الموظفون يعتمدون في عمليات الفحص، على عدادات رقمية مبرمجة؛ وفي حال وجود مثل هذه الدولارات مع أحدٍ من العملاء، يبلغ البنك مباحث الأموال العامة، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
مخاوف وقلق
وأثارت تلك التقارير مخاوف شديدة بين المتعاملين في السوق السوداء، إذ إنّ “الدولارات المجمّدة، أصعب في الاكتشاف من المزورة، لأنها عملة سليمة يصعب تمييزها، ولكن البنوك ترفضها وتعرض حاملها للمساءلة القانونية”، ما يدفعهم إلى الاقتصار في التعامل على “العملاء الدائمين الموثوق فيهم، خشيةَ التعرض لمخاطر وسرقات”.
وينتشر الدولار المجمد بشكل كثيف في تركيا والأردن والعراق وليبيا وسوريا ودول أخرى، حيث تمكنت عصابات من تهريبه إليها بكميات كبيرة، بقصد الاحتيال، ويعرض هؤلاء في غالب الأحيان أسعارا تتراوح بين نصف إلى ثلثي القيمة الحقيقية، أي أن كل 100 دولار مجمدة تباع بـ 50 أو 70 دولارا أمريكيا.
إلا أنّ مسؤولين آخرين وخبراء أكّدوا أنه لا وجود لما يسمى الدولارات المجمّدة، وأنها ليست إلا “كذبة اخترعها مزورو العملة الأمريكية، من أجل إقناع الضحايا بشراء هذه العملة في السوق وبنصف قيمتها”.
ليبيا أم العراق؟
وبحسب قناة الحرة الأمريكية، فقد بدأ الحديث عن “الدولار المجمّد” أول مرة في عام 2003 بعد حرب العراق، عندما خسرت البنوك العراقية مليارات الدولارات، وقدمت بغداد حينها طلبا رسميا بأن تجمّد واشنطن “جميع الأوراق النقدية التي اختفت”.
لكنّ المستشار في البنك المركزي العراقي، إحسان الشمري، نفى هذه الرواية تماما في تصريحات لقناة الحرة، كما نفاها رئيس الفريق الساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد في وزارة الداخلية، أبو علي البصري في حديث للجريدة الرسمية للعراق.
ومن أبرز الروايات التي تلاحق هذه النقود أنها “مليارات تعود لنظام الرئيس الليبي الأسبق، القذافي”، مشيرين إلى أنه يتم “منع تداولها بسبب عقوبات دولية أوسع” والتي فرضت على ذلك النظام.
ويقول المنخرطون في تلك التجارة إن لديهم ملايين من الدولارات خرجت من بنوك ليبيا إبان سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي ووصلت إلى دول عديدة في المنطقة، مؤكدين أن هذه “الأموال سليمة لكنها فقط مجمدة لتسلسلها بالأرقام التي لا تدخل ضمن العمليات البنكية”.
لكنّ القائم بالأعمال الليبي في بغداد، الصيّد علي الصيّد، ردّ على هذه المزاعم بأن “ما يروجه البعض عن وجود دولار ليبي مجمد، مجرد أكاذيب، وأن محتالين يدّعون أنه من أموال مجمدة تعود للنظام الليبي السابق، وما هي إلا تضليل ونصب”.
وشدد المسؤول في تصريحات صحفية على أن “أموال ليبيا من الذهب والنقد الأجنبي بسلّاته المتعددة، آمنة ولم تتعرض لوضع قاهر أو نهب منذ قيام دولة ليبيا في 1951″، موضحًا أنّ ما يسمى “الدولار الليبي المجمد، هو مجرد سراب يختفي حال شروق الشمس”.
وأكد المستشار في البنك المركزي العراقي، إحسان الشمري أنّ البنك أكد مرارا للمواطنين أنه ليس هناك شيء اسمه الدولار الليبي أو العراقي أو الألماني”، بل إن “الإصدار النقدي في البنك المركزي الأمريكي الفيدرالي هو إصدار اعتيادي، فالمطبعة تطبع الأوراق، فيما يتولى نظام حاسوبي كامل إنتاج الرموز وتسلسلها”.
كذبة مخترعة
ويقول إبراهيم نحلاوي، وهو مدير مكتب صرافة يعمل في مدينة غازي عنتاب التركية، إن “جميع الدولارات المستخدمة في هذه العمليات هي دولارات مزورة، فالدولار المجمد كذبة اخترعها مزورو العملة الأميركية، من أجل إقناع الضحايا بشراء هذه العملة في السوق وبنصف قيمتها”.
ويضيف في تصريحات صحفية أنّ “التجميد يكون للأرصدة في البنوك وليس لعملة ورقية محددة، وحتى إن تم وصادرت الحكومات عملات معينة، بمجرد سرقتها لا تبقى مجمدة، لكن هنا نحن نتعامل مع عملات مزورة أصلا”.
وكذلك تعتقد الأكاديمية الباحثة اللبنانية في القوانين المصرفية والمالية، سابين الكيك، التي أكدت في تصريحات لقناة الحرة أن “ما حصل في ليبيا، كان عبارة عن تجميد أصول وحسابات مصرفية، وليس وقف التعامل بأوراق نقدية مباشرة ضمن أرقام متسلسلة”.
وأضافت “السؤال الذي نطرحه للإجابة بمنطق أكبر: كيف يمكن لمصرف، أن يحدد أن هذا الحساب أو ذاك الحساب، يمتلك هذه الأوراق النقدية؟ الأوراق النقدية هي أوراق قابلة للتداول. هذه العملة التي يدّعون أنها عملات حقيقية، يتبين في أغلب الأوقات أنها مزيفة”.
عمليات احتيال
وكانت مديرية قوى الأمن الداخلي اللبنانية، أصدرت تعميما في عام 2020، أكدت فيه أن “قصة الدولارات الليبية المجمّدة، هي عمليات احتيال”.
وقال كبير الباحثين بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، حافظ الغويل، إن “العقوبات الدولية على ليبيا لم تتطرق إلى أوراق نقدية بعينها”، مؤكدًا أن “من الصعب في أي مكان في العالم أن تستهدف نقودا أو أوراقًا مالية”.
ويتفق معه مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن، باولو فون شيراك، الذي يؤكد أن “الأمر معقد، ويبدو مستحيلا، فمن الصعوبة تجميد أوراق نقدية بعينها، إذ يستحيل تتبعها.
وأضاف “لا أتصور أن هناك إمكانية لتعقب هذه الأوراق، فبمجرد أن أخرجها من جيبي لأدفعها لك، ثم تدفعها أنت لشخص آخر، فمن يمكنه ملاحقة هذه الورقة تحديدا؟ هذا مستحيل” على حد تعبيره.
ويشير الموقع الإلكتروني للحكومة الأمريكية إلى أن العملات الورقية الصادرة منذ عام 1861 صالحة وقابلة للاسترداد بقيمتها الكاملة، وهو ما ينفي وجود ما يسمى “دولارات مجمدة”.