
بصراحة شديدة، لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي نشهد فيه رد فعل رسمي بهذا الحسم تجاه “العبث الإلكتروني” الذي أصبح جزءًا من يومياتنا على تطبيقات مثل تيك توك. لكن ما حدث مؤخرًا من جهود نوعية لوزارة الداخلية المصرية، يستحق الوقوف عنده، والتصفيق له – لا مجازًا، بل عن قناعة.
نعم، القبض على عدد من صناع محتوى التيك توك ليس فقط إجراء أمنيًا، بل خطوة في اتجاه تصحيح المسار المجتمعي الذي انحرف كثيرًا تحت وطأة “الترند”، وابتذال المقاطع، وتفريغ القيم من مضمونها.
على مدى شهور، بل سنوات، ونحن نشكو من سطوة “اللا محتوى”، وانتشار مقاطع لا تليق لا بطفل ولا بمراهق ولا حتى ببالغ مسؤول. لكن اليوم، أرى أن هناك إرادة رسمية بدأت تتحرك في الاتجاه الصحيح، تُعيد التوازن إلى المعادلة: حرية التعبير لا تعني حرية الانحدار.
فلا يختلف اثنان على أن تيك توك – كمنصة تقنية – حقق طفرة في سرعة الانتشار والتفاعل، لكنه في السياق المصري تحوّل، بمرور الوقت، إلى مساحة لفوضى غير مسبوقة: تحديات خطيرة، إسفاف مكرر، مشاهد غير لائقة، ومحتوى يُروّج لانحلال سلوكي واجتماعي.
الأخطر أن ذلك يحدث في غياب شبه كامل لأي رقابة حقيقية على طبيعة ما يُنشر، وفي ظل خوارزميات لا تهتم بالقيم بل بالأرقام والمشاهدات، على حساب وعي جيل بأكمله.
هل هذا يُعقل؟ هل نقبل أن يربّي أطفالنا ومراهقونا “تيك توكرز” بلا أدنى مسؤولية أو وعي؟
ان ما فعلته وزارة الداخلية خلال الأيام الماضية ليس مجرد ضبط عدة أشخاص. بل هو إعلان بأن الدولة المصرية لا تقف متفرجة، وأن أمن المجتمع لا يُقاس فقط بعدد الدوريات في الشوارع، بل أيضًا بعدد الساعات التي يقضيها أبناؤنا أمام الشاشات، فتوقيف من ينشرون الانحراف والتفاهة والابتذال، ليس قمعًا، بل حماية حقيقية للأطفال والمراهقين، بل وحتى للكبار، من التعود على القبح والسطحية باعتبارهما أمرًا واقعًا.
هذه الحملة الأمنية تُعيد الهيبة لقيمة القانون، وتوجه رسالة واضحة: مصر لن تترك ساحتها الرقمية سائبة لكل من هب ودب.
في رأيي، لم يعد مقبولًا أن يظل تيك توك مفتوحًا بهذه الطريقة العشوائية. نحن بحاجة إلى قرار شجاع – إما بإغلاق التطبيق نهائيًا كما فعلت دول عدة، أو على الأقل فرض رقابة تقنية صارمة ومستمرة، من خلال تشريع رقمي جديد يُجبر الشركات الأجنبية على احترام خصوصيتنا الثقافية، ومراقبة المحتوى المسيء.
دعونا لا نخدع أنفسنا: القانون لا يُطبق فقط على من ينزل إلى الشارع، بل يجب أن يُطبّق على من يغزو منازلنا عبر الشاشة الصغيرة.
وفي الختام أوجه تحية احترام وتقدير لوزارة الداخلية، التي أثبتت أنها ليست فقط حامية للحدود، بل أيضًا حارسة للقيم، فما بدأته الوزارة يجب أن يكتمل – ليس فقط بحملات أمنية، بل بتحرك مجتمعي شامل من مدرسة تعلّم، وأسرة تتابع، وإعلام ينوّر، وتشريع يحسم.
تيك توك إما أن يتغير… أو يُغلق.