
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها مجتمعنا، وتزايد التحديات التي تواجه الأطفال والمراهقين، تتجدد الدعوات لتضمين مفاهيم التربية الجنسية ضمن المناهج الدراسية، وتُعد هذه القضية من القضايا الشائكة التي تثير جدلًا واسعًا، خاصة مع ما يحيط بها من مفاهيم مغلوطة أو غموض في الطرح.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، للبورصجية على أهمية وضع ضوابط ومعايير دقيقة لتدريس هذا النوع من المقررات، بما يحقق الهدف الوقائي والتربوي دون المساس بالقيم المجتمعية والثقافية.
كما تُعد التربية الجنسية من الموضوعات المثيرة للجدل في الأوساط التربوية والاجتماعية، وذلك لما تحمله من حساسية وارتباط مباشر بالقيم والتقاليد، فضلًا عن الغموض الذي يحيط أي مبادرة لتدريسها داخل المدارس، وتبرز لدى البعض رغبة في أن تتولى المؤسسات التعليمية، بدلًا من الأسرة في مسؤولية التوعية والتثقيف في هذا الجانب، من خلال مقرر يُعرف بالتربية الجنسية أو الثقافة الجنسية، يهدف إلى تدريب الطلاب على حماية خصوصيتهم الجسدية.
وذكر حجازي أسباب عدة تدفع نحو المطالبة مجددًا بتدريس هذا المقرر، من أبرزها:
- القصور الملحوظ في دور الأسرة فيما يتعلق بتثقيف الأبناء وتوعيتهم حول حماية أجسادهم.
- تكرار حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في الآونة الأخيرة.
- افتقار الضحايا في أغلب الحالات للوعي والخبرة الكافية في كيفية التعامل مع المواقف الخطرة أو الوقائية منها.
ضوابط تربوية لمفاهيم التربية الجنسية
واكد على إذا كان هناك توجه فعلي نحو تضمين هذا النوع من التوعية ضمن المناهج الدراسية، فهناك مجموعة من الضوابط التربوية التي ينبغي مراعاتها لضمان فاعلية الطرح وسلامته، منها:
- إعادة تسمية المقرر: يُفضّل تجنب استخدام مسميات مثل “التربية الجنسية” أو “الثقافة الجنسية”، واستبدالها بمصطلحات أكثر قبولًا مثل “التربية الحياتية” أو “المهارات الحياتية”، لتفادي إثارة فضول غير محمود لدى الطلاب تجاه موضوعات غير مدرجة في المنهج.
- تحديد نطاق المحتوى: يجب أن يركز المحتوى على مفاهيم حماية الخصوصية الجسدية، وكيفية التصرف عند انتهاكها، دون التوسع في موضوعات أخرى حساسة.
- شمولية المقرر: ينبغي أن يدمج المقرر موضوعات متنوعة من المهارات الحياتية، وألا يقتصر فقط على موضوعات الجسد والخصوصية.
- إعداد جيد للمحتوى والمعلمين: من الضروري توفير منهج مدروس بعناية، وتدريب معلمين مختصين قادرين على توصيل المعلومة بحس تربوي.
- التدرج في الطرح: يجب تصميم المحتوى بما يتناسب مع المراحل العمرية المختلفة:
- في المرحلة الابتدائية: التركيز على حماية الجسد.
- في المرحلة الإعدادية: إدراج مفاهيم عن الزواج والعلاقات الصحية.
- في المرحلة الثانوية: التوعية بالتغيرات الجسدية والنفسية في فترة المراهقة.
- التوعية بالتحرش: ينبغي أن يشمل المقرر تعريف الطلاب بمخاطر التحرش بجميع أشكاله، بما فيها الإلكتروني، وطرق التبليغ عنه والحصول على الدعم.
- دور الأسرة: لابد من تنظيم برامج توعوية موازية موجهة لأولياء الأمور، لضمان تكامل دور المدرسة مع دور الأسرة.
- اللغة والأسلوب: يجب أن تُعرض المفاهيم بلغة مناسبة لعمر الطالب، وبأساليب تدريس تتسم بالحساسية والفاعلية.
- مشاركة الأخصائي النفسي: من الضروري أن يكون الأخصائي النفسي شريكًا رئيسيًا في تقديم هذا المقرر.
- التقييم المستمر: يجب إجراء تقييم دوري لأثر تدريس هذا المقرر على سلوك الطلاب، لضمان تحقيق أهدافه دون آثار عكسية.
واختتم عاصم حجازي مشددا على أن هذه الضوابط ليست مجرد مقترحات، بل هي شروط أساسية لضمان قبول هذا المقرر تربويًا ومجتمعيًا، وتحقيق الأثر الإيجابي المرجو منه دون الإضرار بالقيم أو فتح أبواب غير مأمونة.