منذ 3 أعوام، تعاني مصر نقصا حادا في النقد الأجنبي، أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة، مع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
وللخروج من تلك الأزمة، فكرت الحكومة في “صناعة الدولار” وهو مصطلح مجازي استخدمه نائب رئيس الوزراء، وزير النقل والصناعة، كامل الوزير قاصدا به تطوير القطاع الصناعي، كأحد أهم حلول القضاء على ندرة العملة الصعبة.
قال الوزير بكلمات واضحة “لما نطور الصناعة ونزود إنتاجنا من الصناعة، فنحن بذلك نصنع الدولار”، مشيرا إلى أن “هذا سيسهم في تراجع سعر صرف الدولار إلى 25 جنيها بدلا من 50 جنيها” على حد قوله.
وأوضح الوزير حينها أن الحكومة الجديدة، لديها خطة “عاجلة” لمدة 3 سنوات لتطوير القطاع الصناعي، بهدف استبدال الواردات السلعية بالإنتاج المحلي، مما يوفر للدولة المزيد من العملة الصعبة.
والخطة التي تحدث عنها الوزير، تستند إلى 152 فرصة استثمارية محددة على المستوى القومي بهدف توطين وتعميق التصنيع المحلي، حيث يقول إن “تحقيقها يحتاج إلى إنشاء حوالي 13 ألف مصنع جديد في البلاد”.
وقد بدأت الدولة بالفعل في اتخاذ خطوات على طريق توطين العديد من الصناعات، فقد أعلنت الحكومة عن اعتزامها توطين صناعة الهواتف المحمولة، بهدف استيعاب الاحتياجات بالسوق المحلية، وزيادة الصادرات.
وقد طالب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في هذا الصدد بضرورة وضع خطة متكاملة تستهدف الوصول بحجم الإنتاج من هذه الصناعة إلى أكثر من 100 مليون جهاز سنوياً، من خلال التوسع في إقامة الشراكات مع العديد من المصنعين الدوليين، بحيث يكون 25% من الإنتاج لتغطية الاحتياج المحلي، والباقي للتصدير، مع وضع حوافز لهذه الصناعة الواعدة لتشجيعها.
كما تسعى الدولة إلى توطين السيارات، خاصة السيارات الصديقة للبيئة، لتتحول إلى صناعة محلية بالكامل في المستقبل القريب، بما يحقق رؤية مصر 2030، وفقا لتصريحات مدبولي.
وقد تم إطلاق استراتيجية وطنية لتوطين صناعة السيارات في مصر عام 2022، بهدف زيادة نسبة المكون المحلي في تصنيع السيارات، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة تولي ملف توطين صناعة السيارات اهتمامًا بالغًا، بهدف تخفيض الفاتورة الاستيرادية للسيارات التي كانت تكلف الدولة سنويًا ما يقارب 5.5 مليار دولار.
وأوضح أن العمل على توطين صناعة السيارات في مصر يستهدف التحول خلال السنوات القليلة المقبلة من تلبية احتياجات السوق المحلي إلى التصدير للخارج.
كما تسعى الدولة بقوة نحو توطين صناعة المواد الخام اللازمة للصناعات الطبية، سعياً لتوفير ما نستورده من أدوية، فقد كشف الدكتور تامر عصام، رئيس هيئة الدواء، لي لقاء مع رئيس الوزراء عن خطة ترتكز على العمل مع شركات الدواء المحلية لتعميق وتوطين الصناعات الدوائية.
وأوضح الدكتور أن ما تم تنفيذه من الخطة الاستراتيجية لتوطين الصناعات الدوائية، أسهم في تحقيق وفر في الفاتورة الاستيرادية بشكل ملحوظ في عام 2023 بنحو 500 مليون دولار، مقارنة بالأعوام السابقة.
إلى ذلك تستهدف الدولة توطين صناعة الرقائق الإلكترونية، فقد قررت الحكومة إنشاء وتشكيل المجلس الوطني لتوطين تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، وذلك بهدف تقليل فاتورة الاستيراد، وفتح أسواق داخلية وخارجية في هذه الصناعة مما يوفر النقد الأجنبي للبلاد ويساهم في أي نقص محتمل في العملة الصعبة.
وتشمل مساعي التوطين كذلك توطين صناعة الصوامع في بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بتكلفة استثمارية تبلغ 2.6 مليار جنيه.
وقد صرح وزير التموين والتجارة الداخلية، شريف فاروق، أن هذا المشروع يساعد في توفير قطع الغيار اللازمة للصوامع القائمة بالعملة المحلية مما يخفف الضغط علي العملات الأجنبية، فضلاً عن استهداف نسبة من الأسواق الدولية في مجال صوامع تخزين الحبوب.
كما تسعى الدولة إلى توطين صناعة الفضاء وبناء القدرات والبنية التحتية لهذا القطاع التكنولوجي المُتطور، كأحد الأهداف الأساسية لوكالة الفضاء المصرية التي تستهدف استحداث ونقل علوم وتكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية بما يخدم استراتيجية الدولة فى مجالات التنمية، وتحقيق الأمن القومى.
وخلال العقدين الماضيين، تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي إلى 16 بالمئة حسب بيانات وزارة التخطيط، من 26.4 بالمئة في عام 2003، وفقا لتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2004 الصادر عن صندوق النقد العربي.
وسبق أن كشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن أداء القطاع الصناعي بالبلاد، جاء دون المستوى المأمول خلال العام المالي قبل الماضي 2022-2023، حيث سجل معدل نمو سالب عند 3.4 بالمئة، بسبب وجود طاقات إنتاجية معطلة نتيجة صعوبة تدبير النقد الأجنبي بالقدر الكافي لاستيراد مكونات ومستلزمات الإنتاج الوسيطة من الخارج، وتأخر عمليات الإفراج الجمركي عن هذه المكونات الأجنبية.
وخلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الماضي 2023-2024، بلغ حجم واردات إلى مصر نحو 52.9 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات 24.1 مليار دولار، حيث سجل ميزان المدفوعات عجزا بنحو 28.8 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، أن الدولة تسعى خلال الفترة الحالية إلى أن يغطي القطاع الصناعي احتياجات السوق المصرية من مختلف المنتجات، فضلًا عن توطين مختلف الصناعات محليًا، وتعميق الصناعة، وذلك بمشاركة القطاع الخاص الذي تُعول عليه الدولة خلال المرحلة الراهنة، باعتباره شريكًا أساسيًا في المشروعات التنموية.