اقتصادملفات وحوارات

البرلمان يوافق والشارع يترقب: هل ترتفع الأسعار بعد تعديل قانون الضريبة؟

في خطوة جديدة تعكس استمرار الحكومة المصرية في سياسة الإصلاح المالي والضريبي، أقر مجلس النواب تعديلات جديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، مستهدفاً توسيع القاعدة الضريبية، وزيادة الحصيلة العامة للخزانة، في ظل ضغوط مالية متنامية نتيجة ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الجنيه، إضافة إلى التزامات مصر أمام صندوق النقد الدولي.

تعديلات تمس قطاعات حساسة

شملت التعديلات إخضاع قطاع المقاولات وأعمال البناء للضريبة العامة على القيمة المضافة بنسبة 14% بدلاً من 5% كانت مفروضة بنظام ضريبة الجدول، مع السماح بخصم المدخلات، وفرض ضريبة بنسبة 10% على البترول الخام، إلى جانب رفع الضريبة على السجائر المحلية والمستوردة بنسبة تصل إلى 23%، والمشروبات الكحولية بنسبة 15%، فضلاً عن تطبيق زيادات سنوية جديدة على السجائر حتى 2028.

ورغم تأكيد مصلحة الضرائب ووزارة المالية أن هذه التعديلات لا تمس الإعفاءات المقررة للسلع الغذائية والخدمات الصحية والتعليمية، إلا أن الجدل لم يهدأ داخل الأوساط الاقتصادية ومجتمع الأعمال، وسط تحذيرات من انعكاسات هذه التعديلات على الأسعار والطلب، لا سيما في قطاعات مثل العقارات والمقاولات.

الصندوق حاضر

تأتي هذه التعديلات في سياق التزامات مصر أمام صندوق النقد الدولي، الذي أعلن مؤخراً دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التمويل الموقع في مارس 2024 بقيمة 8 مليارات دولار، ومن المتوقع تأجيل الدفعة التالية حتى الخريف. وذكر الصندوق أن الهدف هو منح السلطات المصرية مزيداً من الوقت لتنفيذ الإصلاحات، بما يشمل دور الدولة في الاقتصاد وتوسيع القاعدة الضريبية.

رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، د. فخري الفقي، كان قد صرح أن التعديلات تستهدف إعادة النظر في قائمة الإعفاءات الضريبية التي تشمل نحو 57 سلعة وخدمة، ما يعكس توجهاً لزيادة الإيرادات الضريبية كأولوية في ظل اتساع عجز الموازنة.

التأثير الحتمي

الخبير الاقتصادي د. إبراهيم مصطفى، أكد أن المستهلك النهائي هو من سيتحمل العبء الحقيقي لهذه الزيادات، مشيراً إلى أن ضريبة القيمة المضافة على المقاولات سترفع تكلفة البناء، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الشقق والوحدات العقارية، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء.

من جهته، رأى الخبير الضريبي د. محمد البهواشي أن قطاع العقارات يعاني أصلاً من ضعف الرقابة واعتماد نسبة كبيرة منه على الاقتصاد غير الرسمي، وبالتالي فإن رفع الضريبة على المقاولات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السكنية وزيادة التهرب الضريبي، لا سيما في مشروعات الإسكان الاجتماعي والشبابي.

سجائر ومشروبات كحولية

أقرّت الحكومة زيادات سنوية على السجائر بنسبة 12% حتى عام 2028، كما تحوّلت الضريبة على المشروبات الكحولية من نسبية إلى قطعية حسب نسبة الكحول، وهي خطوة قال حسام نصر، شريك الضرائب بشركة إرنست آند يونج، إنها متوافقة مع الممارسات الدولية وتستهدف تحسين الحصيلة المالية والحد من الاستهلاك.

وأشار إلى أن هذا التعديل يعكس أيضاً التزامات مصر تجاه منظمة الصحة العالمية ومنظمة السياحة العالمية، حيث ترتبط جودة الكحول المعروض في السوق السياحي بسمعة البلاد كمقصد سياحي. وأوضح أن فرض ضريبة قطعية وفق نسب الكحول يسهم في تحسين جودة المنتج ومحاربة التلاعب.

الخبير الضريبي حسام نصر أضاف أن تحويل نشاط المقاولات إلى السعر العام بدلاً من ضريبة الجدول سيشجع الشركات على الانضمام للمنظومة الرسمية، خاصة بعد السماح بخصم ضريبة المدخلات، لكنه لم يُخفِ احتمال ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 1% إلى 2% كنتيجة مباشرة لهذه التعديلات.

مطالب بمراجعة التشريعات وتوسيع الحوار

شريف شوقي، رئيس قطاع الضرائب في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، أشار إلى غياب الحوار المجتمعي الكافي قبل تطبيق التعديلات، محذراً من آثار محتملة على تكاليف الاستثمار وأسعار بعض السلع والخدمات. وطالب برفع حد التسجيل في ضريبة القيمة المضافة، والذي لم يتم تحديثه منذ تعويم الجنيه عام 2016، رغم الارتفاع الحاد في الأسعار والتضخم.

أما خالد أبو زهرة، شريك ضرائب رئيسي بمكتب MEC، فأشار إلى أن قطاع المقاولات يواجه تعقيدات في التطبيق العملي للقيمة المضافة، نظراً لطبيعة العقود الممتدة لسنوات، وعدم التوازن بين توقيت شراء المدخلات واستحقاق الإيرادات. وحذر من تزايد المنازعات الضريبية ما لم تُراجع آليات المحاسبة والفحص.

واقترح محمود خليل، مستشار الضرائب بمكتب فورفز مازرز مصطفى شوقي، تعديل صياغة البند 28 من الإعفاءات الضريبية ليشمل بشكل صريح الإعفاء من بيع وتأجير الأراضي والوحدات السكنية، واستثناء الوحدات ذات الطابع التجاري، وذلك لتقليل الخلافات وتحقيق وضوح تشريعي.

إشادة مشروطة.. وتحذيرات من التطبيق

الدكتور جون سعد، الخبير الضريبي، أشاد بالتعديلات بوصفها استجابة لمطالب مجتمع الأعمال وتحديثاً يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، مشيراً إلى أن السماح بخصم ضريبة المدخلات في المقاولات قد يخفض تكلفة الخدمة فعلياً في حال التزام المقاولين بتقديم فواتير حقيقية.

لكن سعد أقر أيضاً بضرورة رقابة صارمة على الفاتورة الإلكترونية وتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل وحدات ذات طابع تجاري في المولات، دون المساس بالوحدات السكنية العادية، مؤكداً أن خضوع البترول الخام وليس المنتجات البترولية للضريبة لن يؤدي إلى زيادة أسعار الوقود.

من ناحيته، أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب، قال إن التعديلات تهدف إلى تحقيق عدالة ضريبية، لكنه حذّر من احتمالات استغلالها كذريعة لرفع الأسعار، مطالباً بتشديد الرقابة على التنفيذ لضمان عدم تحميل المواطن البسيط أعباء إضافية.

وأكد عبد الغني أن تطبيق الضريبة بنسبة 1% على الوحدات ذات الطابع التجاري فقط يراعي البعد الاجتماعي، كما أن إعادة النظر في شرائح تسعير السجائر تستهدف مكافحة التهريب وزيادة الحصيلة الموجهة لبرامج الحماية الاجتماعية.

بين الواقع والطموح

لا شك أن الحكومة المصرية تواجه تحديات مالية كبيرة في ظل توسع الإنفاق على الدعم والخدمات وسداد فوائد الديون، وهو ما يدفعها للاعتماد بشكل أكبر على الضرائب، التي تمثل نحو 80% من إيرادات الموازنة الجديدة. ومع توقعات بزيادة حصيلة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 55% لتصل إلى نحو 640 مليار جنيه، يبقى التحدي الأهم هو كيفية تحقيق هذا الهدف دون إرباك الأسواق أو تحميل المواطن أعباء لا يحتملها.

وبينما ترى الحكومة أن التعديلات تمثل ضرورة إصلاحية عاجلة، فإن الشارع يترقب انعكاسات الأسعار في الأشهر المقبلة. فهل تنجح هذه التعديلات في تحقيق العدالة الضريبية وتوسيع القاعدة دون أن تتحول إلى عبء إضافي على المواطن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *